كتاب سبر

ليلة القدر خير من ألف شهر

خصص في القرآن الكريم لليلة القدر سورة كاملة ووردت العبارة (ليلة القدر) فيها ثلاث مرات:
“إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ” صدق الله العظيم.
ومن الأحاديث النبوية الشريفة فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) –البخاري-.
فمتى تكون ليلة القدر؟
الزمان علميا هو نتاج المكان، وزمن الله الذي يخاطب عبادع البشر به هو زمنهم على الأرض بمعايير مكان ودوران الأرض لأن اليوم هنا مختلف عن هناك.. وفي هذا فرصة لتوضيح التباس مع عشاق الفلسفة بالتفسير والتأويل لنصوص مباشرة، وليس القصد المعنى الحرفي وإنما من يريدك أن تقرأ شاحنة كتب لتعرف كيف تؤدي عبادة بينما آيات قليلة تشرحها بكل بساطة!.
وهذا التفريع سينفعنا في توكيد معنى (ليلة) و (يوم) بالحساب الشرعي لزمن الأيام.. فمن هؤلاء قائل بأن الصلاة الوسطى غير صلاة العصر استنادا لأحاديث مختلفة فيما الحديث الأساسي الأول والمتفق عليه يبين أنها صلاة العصر!
الزمن كما هو بالقرآن يوم وليلة “أُحِلَّ لَكُمْ (لَيْلَةَ الصِّيَامِ) الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ (الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) ثُمَّ (أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” البقرة 187.. فهي “ليلة القدر” وهي تنتهي فجرا!.. والمعنى أن هناك ليل ويوم، والليل وهو نصف المدة إذا انتهى فجرا فمتى يبدأ!؟.. المؤكد أنه بين الغرب أو العشاء وهذا تفصيل، لكن المهم أنه ليس النهار!
والصلوات الخمس كيف تحسب!؟ فهي من اليوم تبدأ ببدايته (الفجر) وتنتهي ببدء ليله (مغرب وعشاء) فتكون الصلاة الوسطى هي العصر!
إذاً هي ليلة ولكن هل التوقيت على الأرض ليلا يكون واحد!؟
كيف بمن شمسهم تغيب 38 دقيقة في الليلة الواحدة فيكون فيها مغرب وعشاء وقيام وسحور وفجر!؟
بل هناك ما هو أهم.. أليس الله هو رب المشرقين ورب المغربين!؟.. وما معنى رب المشرقين ورب المغربين؟..
المعنى جلي وواضح.. فهما شروقان وغروبان، والمعلوم الآن للكافة.. أنه بينما الوقت في مكة المكرمة (صيفا) الثالثة عصرا من يوم الثلاثاء (مثلا) يكون صار منتصف الليل وبدأ يوم الأربعاء (حسب التقويم الشمسي) في نيوزيلندا، أي أننا وحتى نتحرى ليلة القدر في مكة بعد سبع ساعات يكون المسلم في نيوزيلندا قد أدركها!.. فإذا نام أخونا المسلم في هذا البلد وأشرق عليه يوم جديد من رمضان نكون سائلين الله أن ندرك الذي أدركه قبلنا.. لأن الزمن عند الله على الأرض هو 24 ساعة مقسمة على ليلتين (تقريبا) ويومين (تقريبا)، لكن المؤكد أن الليل والنهار ينسلخان باتصال متكرر ومتواصل، وفي هذا تفصيل يجيب عنه علماء الجغرافية وخبراء خطوط الطول والعرض أكثر، ودون الحاجة للتقريب إلى الذهن ببعد المسافات فهي لا شك ليلة واحدة يختلف توقيتها حسب حالة (زمكان) كل منا على الأرض فلكأنها غيمة نور تهطل، أو ما يشبه وصول الموج للشاطئ بتوالي الاقتراب.
أما الجانب الآخر المهم من الأمر فهو:
ما دام هناك ليلة فهناك يوم.. أليس معقولا أن يوم هذه الليلة مبارك أيضا؟.. بمعنى أن الصدقة فيه مثل الصدقة بليلته؟
إن القيمة العظمى لليلة القدر ومعادلتها لأف شهر هي بركة كل خير فيها من الادعاء والصدقة والذكر وتلاوة القرآن، وربما يكون اليوم أيضا (يوم قدر) مبارك وتتضاعف فيه الحسنات.
أما عن متى هي الليلة من الشهر فمن الأحاديث التي وردت عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان)، وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التمسوها في العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر في تاسعة تبقى في سابعة تبقى في خامسة تبقى)، وعن عبادة بن الصامت قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة).
وهنا حديث طويل عن ليلة القدر ووجه النبي الشريف سجودا في الطين:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه وأنه أقام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله ثم قال: (كنت أجاور هذه العشر ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه وقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها فابتغوها في العشر الأواخر وابتغوها في كل وتر) وقد رأيتني (الخدري) أسجد في ماء وطين فاستهلت السماء في تلك الليلة فأمطرت فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين فبصرت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونظرت إليه انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينا وماء. البخاري
والنبي صلى الله عليه وسلم في معظم الأحاديث يشير إلى وتحديدا أيام 25 و 27 و 29، فما فائدة الشك هنا؟.. الظن أنه لو هناك قطع نهائي بأنها يوم 27 فسيعتكف الناس بالمساجد وبعدها لا يعود كثير منهم، فما ينسف أي فكرة هو الشك فيها والله الذي لا يضل ولا ينسى أنسى نبيه متى هي أو جعله لا يخبر أمته متى هي ليلة القدر بالضبط لحكمة تتصل باستمرار العبادة والتبتل والتهجد والاعتكاف في المساجد، وفي هذا فوائد كبيرة، ولا شك بأن الاجتهاد والترقب والأمل بالله فيه أجر كبير.
كل عام وأنتم بخير.