أقلامهم

وليد الرجيب: لا يمكن القضاء على ثقافة الكراهية والتعصب بالنصح والوعظ.

الكراهية عبارة عن شعور مثلها مثل الحب أو المحبة الذي يعتبر أيضاً شعورا، بيد أن الكراهية شعور سلبي، وهي ليس من المشاعر السلبية العابرة، بل تترك تأثيرها المدمر على نفسية وذهن وأعضاء الإنسان البيولوجية، فلكل من المشاعر سلبية أو إيجابية ردة فعل بيولوجية سلباً وإيجاباً، والكراهية من المشاعر التي تسيطر أو تستحوذ على ذهن الإنسان، لأنه يغذيها بالذكريات السلبية والسيناريوهات باتجاه التفكير بإيذاء الإنسان المكروه.
ويمكن أن يتحول شعور الكراهية إلى ثقافة إذا تم تجاهله أو التقليل من شأنه، سواء ضمن الأسرة أو الجماعة أو الطائفة أو المجتمع، ويمكن أن يتخلّق ويكبر الشعور بالتربية والإقناع وغسيل الدماغ وبطرق أخرى، ولا يؤثر المستوى التعليمي أو التحصيل العلمي على منسوب الكراهية إلا بحدود، فلتقليل منسوب الكراهية عند الإنسان يجب عليه اخضاع العادة الذهنية أو القناعة إلى المنطق، والتدرّب على عكس الشعور، لأن ثقافة الكراهية تصبح ثقافة وتتأصل بفعل التدريب الذهني والتكرار.
الشعور بالكراهية قد يكون فردياً، لكن غالباً ما تكون الأسباب معروفة، وقد يكون ضد طائفة أو جنس أو عرق، وهو أمر يتعلق بالتعصب الأعمى غير المنطقي، وكثير ممن تنتشر لديهم ثقافة الكراهية وخاصة الجماعات والشعوب المتخلفة اجتماعياً وثقافياً، غالباً ما تكون الأمور بدون مسوغ منطقي، فقط لأن الآخر مختلف في عقيدته أو طقوسه أو عرقه، وثقافة الكراهية مع أجواء التخلف والجهل قد تستمر لقرون، وهي أشبه بثأرات القبائل التي تشعل حروباً تستمر لعقود، وتخرج أجيالاً جديدة تنشأ على ثقافة كراهية الآخر، حتى أحياناً دون معرفة الأسباب الحقيقية، فالعنف الموجه من طرف يقابله عنف من الطرف الآخر، وتصبح دائرة لا تنتهي من العنف والعنف المضاد، فالتعصب يحتاج إلى طرفين كي يتحقق.
ولا يمكن القضاء على ثقافة الكراهية والتعصب في مجتمع ما، بالنصح والوعظ أو بسن القوانين الرادعة فقط، فحتى تتحول المجتمعات إلى التحضر وتقضي على ثقافة الكراهية، يجب العمل على بناء إنسان واعٍ، وإحلال ثقافة التسامح مع الاختلاف، بدءاً من التعليم والتنشئة الأسرية ثم التربية المجتمعية، في المدرسة ودور العبادة ووسائل الإعلام، وقد يستغرق القضاء على ثقافة التعصب والكراهية سنوات طويلة، لكن كلما كانت اتجاهات الدولة مدنية مواكبة للعصر، وهناك سيادة للقانون ومجتمع المؤسسات المدنية والمواطنة الدستورية أو القانونية، وسيادة العدالة والحرية وخاصة حرية التعبير عن الرأي وحرية المعتقد، والقضاء على الجهل والتخلف الاجتماعي والثقافي، كلما تقلصت وتوارت ثقافة الكراهية أمام ثقافة التسامح والمساواة.
وهي بالدرجة الأولى مهمة الدولة بجميع أجهزتها، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتطبيق القوانين بحزم على الصغير والكبير، وتجريم الخطاب والسلوك الذي يدفع لنشر الكراهية والتعصب، حيث لا يمكن تجريم الشعور أو النوايا، وضرورة بذل جميع جهود الدولة من أجل سيادة الوعي الفردي والمجتمعي وشعور المسؤولية المشتركة تجاه الوطن.