أقلامهم

ناصر المطيري: الفصل بين ما هو سياسي وما هو أخلاقي يؤدي إلى تقويض أركان المجتمع الانساني.

لو حاولنا تأصيل فكرة العلاقة بين السياسة والأخلاق نعود للماضي القديم وآراء الفلاسفة، فنجد مثلا أفلاطون الذي يرى ان أساس الحكم أربع فضائل هي الحكمة وهي الجانب الفلسفي والشجاعة وهي الجانب الطبيعي والعفة وهي الجانب النفسي والعدالة وهي الجانب السياسي، ومن لا تتوافر فيه هذه الفضائل فليبتعد عن حكم الناس. وسار أرسطو على نهجه باعتباره السياسة تمثل الجانب الاجتماعي للأخلاق.
فالعلاقة بين السياسة والأخلاق تثير كثيرا من الجدل  في الأوساط السياسية والاعلامية والانسانية لاسيما مع ظواهر العنف والدم والقمع التي تتفشى في عالمنا المعاصر وكأن  السياسة بلا ضمير ولا أخلاق، فهل حقا مات الضمير السياسي وأصبحت المصلحة والنفوذ والسيطرة هي اتجاهات البوصلة السياسية في هذا العالم؟
وفي ربوع  الاسلام ارتوت السياسة من فيض الأخلاق النبوية وارتقى رصيدها من واقع المزاوجة بين القول والعمل حيث  استطاع النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم أن يجمع حوله الناس بحسن الخلق: « ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك». وكانت أعماله وأقواله النقطة التي التقت عندها السياسة بالأخلاق، اذ كان يأمر المسلمين – عامتهم وخاصتهم- بحسن الخلق «أكمل المؤمنين ايمانا أحسنهم أخلاقا» بيد أن الرصيد الأخلاقي للسياسة قد نفد لما جاهر المفكر الايطالي ماكيافيللي [1419-1527] بالقطيعة بين السياسة عن الأخلاق،  داعيا في كتابه (الأمير) الى «أن يستغل الحاكم من الصفات ما يشاء غير ناظر الى أي قيمة دينية أو أخلاقية فهناك من الفضائل ما يؤدي الى سقوط حكمه وهناك من اللافضائل ما يؤدي الى ازدهار حكمه وشعاره الذهبي في ذلك «الغاية تبرر الوسيلة والضرورة لا تعترف بالقانون».
ان الفصل بين ما هو سياسي وما هو أخلاقي لا يؤدي الى انتاج العنف فقط على الصعيد الداخلي والخارجي بل الى تقويض أركان المجتمع الانساني وكما قال المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله: «اذا كان العلم دون ضمير خراب الروح فان السياسة بلا أخلاق خراب الأمة»، ولاشك أن التراجع الأخلاقي في الحقل السياسي مرده الانتكاسات الأخلاقية للمجتمعات في هذا الزمن الذي سادت فيه لغة المصالح وحب الاستحواذ على القيم الانسانية، وطغت الجوانب المادية على الجوانب المعنوية الروحية التي تسمو بالخلق الانساني.