محليات

الكويتيون قدموا نموذجاً فريداً للصمود والتلاحم
ربع قرن على فاجعة الغزو العراقي للكويت

تمر اليوم الذكرى الخامسة والعشرون على فاجعة الغزو العراقي لدولة الكويت.. الذكرى التي أعادت رسم ملامح العالم، وكانت المقدمة لما يعيشه الوضع العربي اليوم من كوارث ومحن وحروب.
صبيحة الثاني من أغسطس 1990، كان يوما استثنائياً في حياة الكويتيين خاصة، والعالم بشكل عام، ففي ذلك اليوم، أقدم رئيس النظام العراقي صدام حسين على مغامرته، وأغار على البلاد وابتلعها في غضون ساعات، متجاوزاَ كل قيم الجوار، ومتعدياً على مباديء الأخوة التي وضعتها الكويت نصب عينيها وهي تعيش أزمة كانت تراها عابرة، مع جار لم ير منها إلا كل خير.
بدأت الكارثة في الثاني من أغسطس، واستمرت سبعة أشهر قدم خلالها الكويتيون نوذجاً فريداً للتلاحم والاتفاق والتوافق، ذلك أن العدو كان واحداًُ هدفه النيل من وحدة الوطن، وتماسك وشعبه، ولم يتحقق له ما أراد، ليولي الأدبار مدحوراً في السادس والعشرين من فبراير 1991، وتعود الكويت إلى أحضان شعبها واحة للأمن والأمان والاستقرار، وليبدأ الكويتيون رحلة شاقة في لملمة الجراح وتضميدها، وبناء ما قوضته همجية “حزب البعث” ووحشية زعيمه “المهيب الركن”.
كارثة.. بكل المقاييس

كان الغزو العراقي كارثة بكل المقاييس فقد استهدف وجود الوطن الكويتي وثرواته وشعبه وتاريخه وسيادته.
غير ان ادارة أركان الحكم في ذلك الوقت المتمثلة في سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح رحمه الله و سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله الصباح رحمه الله وسمو امير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه والتأييد الشعبي الكبير لجهودهم شكلت مثلا يحتذى لكل الامم والشعوب والاوطان التى تتعرض للعدوان والارهاب والابتزاز والتى تسعى لنيل حريتها واستقلالها والتمتع بثرواتها بعيدا عن احقاد الآخرين .
الطريق إلى جدة

وكان مؤتمر جدة الشعبي فى اكتوبر 1990 الاساس الذى صيغت داخله مفردات ادارة الازمة وتوزعت من خلال آلياته الواجبات والمهام التى توجت بتحرير الكويت بعد نحو 204 ايام من الاحتلال وعودة الشرعية الكويتية لممارسة مهامها من فوق ترابها الوطني .
واولى مفردات تلك الادارة تمثلت فى الرؤية التى كانت وراء عقد المؤتمر اذ انها اكدت ان مقاومة الاحتلال وتحرير التراب الوطني وعودة السيادة هي مهمة القيادة والشعب معا وأن الوحدة الوطنية هي اول شروط ولوازم التحرير .
وتركزت المفردة الثانية فى اعادة ترتيب البيت الكويتي بدعم صمود الكويتيين فى الداخل والخارج والعناية بهم وتلبية احتياجاتهم ودعم المقاومة ورفدها بكل احتياجاتها ثم عودة الحياة الديمقراطية وفقا لدستور 1962 بعد التحرير .
وتمحورت المفردة الثالثة حول الاجماع التام على رفض اي مساومات حول سيادة الكويت واستقلالها والاصرار على تنفيذ القرارات الدولية التى اصدرها مجلس الامن. واكدت المفردة الرابعة ضرورة تعميق وتعزيز العلاقات مع الدول العربية والاسلامية والاجنبية وتوثيق العمل مع المنظمات والهيئات الدولية.
وشددت المفردة الخامسة على اهمية الدفع بالعمل الشعبي المدروس للاتصال بالمنظمات والهيئات الشعبية العربية والاسلامية والاجنبية ومنظمات المجتمع المدني وادارة الحوار معها ضمانا لتأييد قضية الكويت العادلة وحصر اي عداوات او خلافات فى حدودها الدنيا ان لم يكن بالمستطاع تغييرها لصالح الحق والعدل وقيم القانون الدولي .
ولضمان الوصول الى اجماع اقليمي ودولي لصالح القضية الكويتية تم الاتفاق على تشكيل وفود شعبية (86 وفدا) تكون بمثابة جهد مواز للجهود الحكومية والرسمية لتزور دول العالم وليكون التأييد رسميا وشعبيا .
والى جانب الزيارات بالغة الأهمية والدلالة التى قام بها سمو امير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح الى الدول دائمة العضوية فى مجلس الامن وزيارات ولقاءات سمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وسمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح والوزراء نجحت زيارات الوفود الشعبية في توضيح حق الكويت في الوجود الآمن المستقل وفي ازالة الكثير من آثار الدعاية التي ملأ بها رئيس النظام العراقي العالم مستخدما طرقا غير شريفة . 
من جهة اخرى اشتمل فن ادارة ازمة العدوان والاحتلال كما قادها اركان نظام الحكم في ذلك الوقت على الجوانب العسكرية والاقتصادية الى جانب البعد السياسي الذى احتل المرتبة الاولى .
فقد عملت القيادة الكويتية على اعادة تجهيز الجيش الكويتي وتدريبه وتسليحه بأحدث الاسلحة ليشارك فى معارك التحرير وفتحت الباب امام الشباب للتطوع لاستعادة التراب الوطني وقامت بتدريبهم على مختلف فنون القتال .
وعلى المستوى الاقتصادي حرصت القيادة الكويتية على ابراز حجم الضرر الذى لحق بحوالي 130 دولة كان لها عمالة تعيش حياة مستقرة على ارض الكويت وتدعم تحويلاتها اقتصاديات تلك الدول لاسيما ان الكويت لم تتدخل قط فى حجم الاموال التى تحول الى الخارج ولم تقيدها كما تفعل دول أخرى .
وقدمت الكويت مساعدات لاكثر الدول تضررا عندما امر سمو الامير الراحل بصرف مبالغ مالية للعاملين لدى الكويت قبل العدوان من ابناء تلك الدول فخفف عنهم الكارثة التى اصابتهم من جراء العدوان واكد لهم ان الكويت وفية لكل الشرفاء على ارضها كما استمرت فى منح القروض من خلال الصندوق الكويتي للتنمية. 
اما النقطة الاخرى التى لا تقل أهمية عما سبق فقد تمثلت فى تأكيد القيادة الكويتية التزام دولة الكويت بكل القيم والمبادىء التى طالما التزمت بها امام المجتمع الدولي ومارستها فى سياساتها عبر تاريخها .
وفي ذلك قال امير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد في خطابه يوم 27 سبتمبر 1990 (الدورة 45) امام الجمعية العامة للامم المتحدة ” ان الكويت التى عرفتموها ستبقى على عهدكم بها دائما وفية لمبادئها غيورة على قيمها مخلصة لاصدقائها محترمة لعهودها ومواثيقها”.
 ان ادارة اركان الحكم في ذلك الوقت لازمة الاحتلال درس بالغ الدلالة للأمم والشعوب المقهورة وبخاصة ما يتصل بالوحدة الوطنية ورفض كل أشكال المساومة على المبدأ ومحاورة المترددين فى دعم الحق وكسبهم على ارضية ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي ووضع الانسان باستمرار فى مقدمة اي اهتمام وقبل كل شيء لان الأوطان والثروات تكتسب قيمتها من الانسان لا من غيره.
وكان لنجاح سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح منذ تسلمه حقيبة وزارة الخارجية في عام 1963 في توثيق علاقات الكويت بالأمم المتحدة ومنظماتها ودولها الأعضاء دور كبير في الوقفة الصلبة التي اتخذتها الامم المتحدة والعالم الحر لصالح الكويت واستقلالها وسيادتها عندما تعرضت للعدوان العراقي الغادر.
الخسائر

ألحق الغزو العراقي خسائر فادحة ومدمرة طالت مختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية، والبنية التحتية على مستوى البلاد. وكان القطاع النفطي من أكبر القطاعات تضرراً، حيث كان مقدار الدمار الذي لحق بالمنشآت النفطية غير مسبوق، ولم يشهد مثله تاريخ صناعة النفط الحديث.
كان التدمير الذى لحق بالمنشآت والمرافق النفطية على نطاق واسع، وعليه، كانت أولى الخطوات التي اتخذتها الكويت هي عمل دراسة مكثفة عن الدمار في مناطق الإنتاج، وبعد ذلك  تم العمل على وضع التدابير العلاجية، فقد
تم إضرام النيران في حوالي 80 في المائة من آبار النفط في الكويت، كما تم تدمير عشرة مراكز تجميع بالكامل. اختلفت معدلات الدمار من مركز لآخر، أما محطات التعزيز وحظائر الخزانات فقد أصابها الضرر بدرجات متفاوتة. وتم تدمير 13 خزان في حظائر الخزانات الجنوبية و 8 في حظائر الخزانات الشمالية. ودمرت كذلك منشآت الجزيرة الصناعية بالكامل، إضافة الى الأرصفة الجنوبية والشمالية والتي احتاجت إلى عمليات إصلاح مكثفة.