أقلامهم

وليد الرجيب: تظن السلطات الفاسدة والمستبدة أنها قادرة على حماية نفسها.

إذا تناولنا الشعار اللبناني «طلعت ريحتكم»، نجده يصلح في كثير من الأمكنة في الشرق الأوسط، ظهرت روائحها الكريهة منذ فترة بعيدة، بسبب الفساد والمحاصصة وتقاسم كعكة المال العام بطرق مختلفة، مثل التنفيع من خلال المناقصات الكبيرة، وتنفيع الرأسماليين العقاريين بتأجير عماراتهم وأبراجهم، من قبل الدوائر الحكومية، وتفشي الفساد والرشوة والمحسوبية، وضرب القوانين بعرض الحائط، وانتهاك الدساتير والتضييق على الحريات، واستخدام القمع المفرط، لمنع احتجاج الجماهير على الفساد والفاسدين، وضد أي شكل من أشكال المطالبة بالاصلاح.
وتظن السلطات الفاسدة والمستبدة أنها قادرة على حماية نفسها، وضمان عدم الاحتجاج وإسكات كل صوت معارض، بأجهزتها الأمنية والقضائية، وحتى البرلمانات التي تسيطر عليها الحكومات والقوى المتنفذة، بحيث تصدر التشريعات والقوانين ليس في صالح الشعوب، التي يجب أن تكون مصدر السلطات جميعاً، ولكن هذه التشريعات والقوانين تصدر ضد الشعوب، مثل القوانين المقيدة للحريات العامة.
لكن عندما يصل الغضب والتذمر الشعبي درجة الغليان، وخاصة عندما تمس الحقوق الاجتماعية والسياسية للشعوب، تنهض متحدية أجهزة وأدوات القمع، مثل قنابل الدخان المسيل للدموع والرصاص المطاطي والهراوات وحتى الرصاص الحي، بل حينها تكبر المظاهرات وتنضم إليها جماهير جديدة، لتتحول إلى انتفاضة أو ثورة كبرى.
فالشعوب بطوائفها ومكوناتها تتوحد وتنسى انتماءاتها الطائفية والدينية والفئوية، لأنها تشترك بالهم ذاته، هي المتضررة من سياسات ونهج السلطات الذي يطال كل الطوائف، كما تتوحد قوى الفساد بطوائفها المختلفة من أجل المصالح الضيقة، وبالطبع تلجأ هذه السلطات إلى القمع الشديد، وإدخال عناصر مدسوسة تعمل على تخريب وبلبلة هذه المظاهرات والانتفاضات السلمية، مثل البلطجية والشبيحة والزعران، وهذا ما حدث في كل الانتفاضات والثورات العربية، وهو ما يحدث في كل من العراق ولبنان الآن، وهذا يتطلب وجود أحزاب سياسية وطنية وتقدمية، لاستنهاض حس اليقظة والحذر وتنظيم حركة الجماهير السلمية.
ومهما حاولت الأنظمة الفاسدة والمستبدة، أن تخفف من غضب الجماهير والشعوب، من خلال تغيير الوجوه وإجراء إصلاحات شكلية، إلا أن استمرار نهج التعدي على الحريات والحقوق الاجتماعية التي تمس معيشة الناس، لا بد وأن يوقظ الجمر من تحت الرماد، حتى تتحقق الحرية والعدالة الاجتماعية.
وليد الرجيب