أقلامهم

بدر الديحاني: من يدافع عن مصالح الناس البسطاء؟

في ظل هذا الوضع السياسي-الاقتصادي المُختل وغير السليم المتمثل بضعف التنظيمات السياسية أو انعدامها، وضيق قاعدة المشاركة الشعبية، وانحياز السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة فإنه ليس أمام الناس سوى ابتكار أشكال وتكتلات جديدة ونوعية عابرة للطوائف، والأعراق، والمناطق والفئات الاجتماعية.
التنظيمات السياسية الحقيقية لا تتشكل هكذا عبثا، بل إنها تنشأ كي تُمثّل شرائح وفئات وطبقات اجتماعية، وتدافع عن مصالحها فيكون هناك، على سبيل المثال لا الحصر وبغض النظر عن المُسمّيات، تنظيم سياسي يمثل العمال والفلاحين و”الشغيلة” وذوي الدخول المتدنية، وآخر يمثل الفئات والشرائح الوسطى، وثالث للأثرياء أو الطبقة الرأسمالية، ولكل منهم برامجه الاقتصادية-الاجتماعية التي تعكس طبيعة مصالح القوى الاجتماعية التي يمثلها، ويتحدث باسمها، ويتكتل سياسيا دفاعا عنها، بل يعمل جاهدا كي يكون لها الدور الأكبر والمؤثر في صياغة السياسات العامة واتخاذ القرار، أي في السلطة السياسية التي تعتبر تابعة للسلطة الاقتصادية، حيث إن من يملُك أكثر، حتى في الشركات الخاصة، يتحكم أكثر من غيره في السياسات ويوجهها لمصالحه؛ لهذا فإنه كلما اتسعت قاعدة المشاركة الشعبية في صُنع السياسات واتخاذ القرارات العامة، على مستوى الدولة، توازنت السُلطة وكانت السياسات والقرارات الاقتصادية-الاجتماعية أكثر عدلا والعكس صحيح.
ونظرا لتشوه تطورنا الاقتصادي واختلال واقعنا السياسي فإن معظم ما يُسمّى قوى سياسية، مع استثناءات قليلة يعاني بعضها ضعفا هيكليا وتنظيميا، ليست تنظيمات حقيقية تتشكل من أجل التعبير عن مصالح شرائح، وفئات، وطبقات اجتماعية محددة، بل هي مجرد أشكال صورية، أو قوى ضغط مصلحي مؤقت، لذا فإنها تفتقد البرامج والرؤى الاقتصادية-الاجتماعية المتكاملة التي تجعلها قادرة على معارضة السياسات الاجتماعية-الاقتصادية للحكومة، مثل سياسة معالجة عجز الميزانية العامة للدولة أو ما يُسمّى “الترشيد أو التقشف الاقتصادي” المنحازة اجتماعيا ضد مصالح الفئات الوسطى والطبقة الفقيرة، ورفع مستوى الوعي العام ثم طرح البدائل ودعوة الناس للالتفاف حولها دفاعا عن مصالحهم الوطنية والمعيشية المشتركة بدلا من الانشغال العبثي في التأجيج الفئوي والشحن الطائفي، أضف إلى ذلك أن تعديل الحكومة منفردة للنظام الانتخابي زاد الطين بِلة، وضيّق أكثر فأكثر من قاعدة المشاركة السياسية-الاقتصادية.
في ظل هذا الوضع السياسي-الاقتصادي المُختل وغير السليم المتمثل بضعف التنظيمات السياسية أو انعدامها، وضيق قاعدة المشاركة الشعبية، وانحياز السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة فإنه ليس أمام الناس سوى ابتكار أشكال وتكتلات جديدة ونوعية عابرة للطوائف، والأعراق، والمناطق والفئات الاجتماعية، وذلك من أجل تحقيق هدف معين أو أهداف محددة، أي تنظيم قوى ضغط شعبي ووطني للدفاع عن مصالحهم المشتركة، وهو ما رأيناه من قبل في حملة “نبيها خمس”، ونراه حاليا في حملة “خلوه يخيس” الإلكترونية التي تعارض المبالغة في ارتفاع أسعار الأسماك، والتي من المرجح أنها ستتطور، كشكل تنظيمي، مع الأيام، وستشمل قضايا، ومواضيع أخرى وطنية ومعيشية مشتركة.