كتاب سبر

الكويت وحقل الدرة وحزب المتوددين إلى إيران أو الخائفين منها!

مع أني لا أكتب عادة عن الكويت، شؤونها المحلية، توجهات قواها السياسية، وكل ما شابه من أمور، ولكن لا شيء في الكويت.. إطلاقا، يخفي علي أو لا أعرف تفاصيله وأساسه ومنبعه ولماذا وكيف ومتى وأين وما مصيره وإلى أين سيتفرق.

ولست أعلم أهي موهبة، أم استغراق في حب بلد خيره علي وعلى أبنائي، وهو وجودي وتاريخي ورزقي وعلاقاتي وارتباطاتي، وكل شيء تقريبا بحياتي.

واحتراما لنفسي، وفي هذا التويتر تحديدا حيث كثير يجهلك، وكما كنت بالصحافة، تجنبت التوغل في مناطق تخص الكويتيين وحدهم أو أراها شأنهم، فلم أكتب يوما ما يجرح أي طرف فيما سمي بالحراك الكويتي، وهو في الحقيقة ليس بحراك، فكل الكويتيين مع آل الصباح قلبا وقالبا، ولكن ضمن ما اعتادت عليه الكويت فإن أهل السياسة المتسابقين في المشهد، يرون هذا العام أن الشيخ فلان إصلاحي ويحمل مشروعا يستحق التشجيع، وأن الشيخ فلان هو أحد أركان الفساد!.. فيستحق عدم تولي أي مسؤولية، ثم في العام التالي يصبح الشيخ الإصلاحي فاسدا، والشيخ الفاسد قائد الإصلاح!.

ثم – وضمن المشهد نفسه – ينتقل البعض مع هذا الشيخ ليصبحوا ضده، وينتقل من كانوا ضده ليصبحوا معه، وهكذا يتم توازع وانتزاع الأدوار، والدولة ماضية في سبيلها، وسياستها لا تتغير، وحكمتها لا تتلاشى أو تنقص، فيسترخي الكويتيون في المساء، ويسألون الله ألا يغير عليهم ويديم النعمة.. والحمد لله.

وهذا مألوف في الكويت، وفي كل الحقب، منذ المد القومي اليساري، وحتى المشهد الليبرالي الإسلامي، ووصولا للحالة الطائفية التي تغلف المنطقة، والدولة (النظام) يتحمل الناس، والناس يحتملون النظام، وبلد شكور ورب غفور، والأمر بخير ونعمة، فنفس الإصلاحيين – من الجهتين – لهم (كوتا) من من العلاج بالخارج بما تصل موازنته إلى نصف مليار دينار سنويا، فيسافر كثير من الناس إلى لندن بوساطة الإصلاحيين وأهل مشروع الدولة الحديثة، ويعودون وقد فاض معهم مال من رحلة العلاج على حساب الدولة.. وفي الصباح يكتبون في تويتر، عن فساد الحكومة، وأن الأمور ليست على ما يرام!..

فلما وقع الربيع العربي، ولطبيعة الكويت الضجيجية، حسب كثيرون أنها ضمن لجة هذا الربيع، فكانت الأخبار من مصر ثم سورية ثم ليبيا، فاليمن ثم الكويت!

في تلك الفترة كان اللافت أن زعماء بلدان (الربيع) كانوا يلقون أول الاحتجاجات خطابا، ثم يلقون خطابا ثانيا يتراجعون فيه عما ورد في الخطاب الأول، وقد حصل هذا في الكويت لكن بالعكس!.. فضمن عودة المشهد إلى طبيعته، خرج زعيم البلد ليخطب بمناسبة عيدها الوطني، فشكر الناس وأثنى عليهم وسلم، فإذا بالناس في اليوم التالي يدفنون أسوار بيته بالورد.. فيضطر كما بقية زعماء بلدان الربيع لإلقاء خطاب آخر!.. لا ليتنازل ولكن ليكرر شكر مواطنيه الذين أشعروه بسعادة لم يشعر بها من قبل.

لكن الكويتيين – أقصد الاتجاهات السياسية وسأستخدم التعبير الدارج – (يجيبون العيد) عند تناول شأن سياسي خارجي حسب أهوائهم الخاصة، مما شهدته مرارا وتكرارا وفي مسائل شتى، فعندما زار الشيخ المرحوم أحمد ياسين الكويت أقام الليبراليون الدنيا وأقعدوها مذكرين بموقف الفلسطينيين خلال خلال الغزو العراقي للكويت عام 1990-1991، ليتكرر نفس الموقف من الإسلاميين وحلفاؤهم عندما زار الكويت المرحوم فيصل الحسيني لأنه من سلطة أيدت صدام على العكس من حماس!

ونفس الكويتيين الذين كانوا يدعون لصب بحر من النار بين الكويت والعراق أيام حكم صدام حسين، هم الذين يطالبون بأوثق العلاقات مع حكام العراق الآن!.. والأمر مماثل تماما للحال مع إيران فهناك من يكره اسم إيران لأنها إيران، وهناك من هو داع إلى قيام حلف استرتيجي مع إيران!

زعيم لا تخفاه خافية

والواقع بأن الدولة ليست مع هذا ولا مع ذاك، فالسياسة الكويتية ثابتة منذ استقلت الكويت بل قبل ذلك، ومن يدير الدفة الآن يشهد بحكمته كل العالم، فالرجل عاصر السياسة الدولية ومكث في منصبه أكثر مدة مكثها وزير حتى تولى الإمارة، ووضع يده في شتى الأزمات، وشهد كل التحولات، وليست تخفاه خافية، ولا تفوته شاردة ولا واردة، وزعماء إيران وغيرهم، في حاجة لدورات تدريبية كي يعرفوا ما يعرفه الرجل، فالسياسة ليست لعبة تسلية، ولا مغامرة طارئين، وليست بالتأكيد مباراة للمصارعة، فمن ينتصر بالنهاية هو من امتلك رصيدا أولا من حب شعبه، وثانيا بقدر مكانته الدولية.

والكويت وقيادتها لا ينقصها هذا ولا تفتقد هذا، وبالتالي فليس هناك مبرر لأن يفزع من إيران، وكأن إيران غول أو مجنون شارع (مهستر) وتجب مسايرته بل لعل هذه مفيدة جدا، في أن تتصرف إيران كبلطجي حي، فيقع عليها من النتائج ما يقع، فحقل الدرة ظاهر على الخريطة، وهناك اتفاقيات بحار دولية ومعايير راسخة للمياه الإقليمية والأجراف القارية واستغلال ثرواتها، ليس حقول النفط والغاز فقط، بل حتى صيد السمك والتفتيش عن اللؤلؤ والمرجان!

أما بث الرعب في الناس.. هذه إيران فلا تشعلوا التوتر معها، أو أنه لا وجود لشيء حتى الآن مع إيران كما كتب أحدهم لمجرد أن يهاجم الناس، فهذا غير صحيح البتة، لأن إيران وفقا للبيانات الحكومية تتجاوز ليس على حقل الدرة فقط بل حقول مشتركة أخرى معها، كما تم استدعاء القائم  بالأعمال الإيراني وأبلغته احتجاجها على المسلك الإيراني في طرح مناقصات دولية تتصل بحقل الدرة، من دون أغفال أن هناك أمرا آخر أمني لإيران صلة فيه ولا تستطيع التنصل منه، فالأمور أوضح رغم لغة السياسة والبروتوكول، ولا شيء يمكنه طمس حقيقة أننا نتعاطى مع نظام متعجرف بل وفاقد للمعايير الأصولية في التعامل مع الجوار، ويتدخل في شؤون المنطقة بالمجمل، وغير بعيد عن التحريض، وسياساته وإعلامه يتسبب بالمزيد من الفتن.

إن بث مناخ (الرهبة) من إيران يجعلها تتمادى أكثر، وبالتالي فليس أفضل من موقف صلب في هذه المرحلة التي تحتاج فيها إيران الملالي إثبات صدقيتها أمام المجتمع الدولي، فالبلد الذي يريد أو قرر الانفتاح على العالم البعيد والتفاهم معه لا يمكنه أن يحقق ذلك بينما هو منبوذ ويخوض خصومات مع جميع مجاوريه ودون استثناء، وبينما تداس صور زعامته في عدة بلدان، في ظل شعارات مرفوعة تقول (إيران برا برا).

والعالم ليس مزرعة خارجين على القانون حتى يتم الترويج لأن عملاء الإيرانيين سيختطفون مواطنين كويتيين، ثم يبتزون الكويت فتخضع لهم.

إن بلدا كلبنان يتمتع بأعلى حد من المساعدات من الكويت، وانقطاع رجل الكويتيين عن السياحة في لبنان ووقف إعانته سيخرب ما بقي من ازدهاره، والكويت تستورد سلعا بمئات الملايين من إيران، فقطع العلاقات التجارية سيضر إيران وليس الكويت، وهناك عشرات آلاف الإيرانيين يعملون في الكويت، والكويت ليست بلدا وحيدا أمام طاغوت إيران، فهناك الشركاء الخليجيون وعلى رأسهم السعودية، وهناك البلدان العربية الأخرى وجميعها ملتزمة بالكويت، فلها اتفاقات أمنية مع الدول الخمس الكبرى، وحدودها مرسمة وفق البند السابع من ميثاق مجلس الأمن الدولي، وملاءتها المالية الدولية بحجم اقتصاد إيران الكلي مرتين، وهي من بين دول قليلة في المنطقة تحتفظ بما يمكن تسميته علاقة دافئة مع طهران أهلتها لأن ترسل لها وزير خارجيتها ليبحث ويتداول في سبل تطبيع علاقات إيران مع العالم، وفقدان هذا الدفء لن يضر الكويت ولكنه يؤذي ‘يران أكثر.

إن أفضل ما يمكنني قوله – كنصيحة – للاعبي السياسة (المحلية) الكويتية، هو: يا معود العبوا إسكان وشؤون وتعليم وخدمات.. وسيبكم من السياسة.