كتاب سبر

حكام إيران.. لماذا أتيس من جمل شنّوع؟

من نعم الله علينا كعرب هو هذا الغباء الذي يغلف سياسة إيران وإلا وأمام غفلة وغفوة وتراجع أمتنا، كنا سنخضع لهم دهرا يعلم الله وحده متى ينتهي، فتخيل لو كان هؤلاء الملالي حكماء وعقلاء ودهاة وأهل سياسة طبيعيين، وليسوا مجرمين ضيقي أفق، وأجلاف وحمقى، فقد كنا والله نقلب الآن أصابع الندم على ما يحصل وسيحصل.
لو كان هؤلاء (شطارا) وماهرين وأهل سياسة وسوس حقا، لكانوا وقد جاء الله لهم بالعراق على طبق أميركي من ذهب، أنشأوا حكومة ائتلافية يرضاها كل العراقيين، وهم بالمجمل شعب غير طائفي، بل وسنتهم يتعايشون مع التشيع، ويتقبلون طقوسه، حتى أنهم يمارسونها، فضلا عن جوارهم الذي لا ينتهي مع بلد يرجون منه محبة بعد عداوة!..
وقد كان للعراقيين غصة تجاه (العرب).. تخلوا عنهم وتركوهم للحصار، ودفّعوهم ثمنا غاليا لغزو الكويت، ولم يسقطوا عنهم القروض والتعويضات، وهم (العرب) من استقبل وسهّل للقوات الأجنبية أن تغزوهم، مع ما يوائم العقل العربي من سوء الفهم والجنوح للخصومة في عصر التفرق والمحاور، وغياب المشروع القومي الصحيح، فضلا عن (حساسية) تاريخية في زحزحة العراق عن موقعه الخليجي، والجزيري، ومظاهر مداحرة قائمة وجنوح لهيمنة، وعقيدة ضم واستعلاء، وأحيانا استصغار وما شابه مما هو طبيعي من المناطقية والاختلاف والفراق في المزاج بين إقليم وآخر.
وليس في العراق من عقدة غير ما هو بين العرب والكرد، وفي حدود الوضع القائم كان يمكن لإيران أن ترضي الأكراد والعرب سواء بسواء، فيزدهر العراق ويعلو فيه الحب بين عمر وعلي وخديجة وعائشة، وآل البيت والأصحاب، وزين العابدين وأبي حنيفة، فيكون العراق النموذج المتقدم في قلب العالم العربي لإيران الملالي.. يزدهر وينمو ويعمر، فترى ملايين الإيرانيين في النجف وكربلاء وسامراء من دون حساسية، وتتجاور المساجد والحسينيات وتسيل أنهار السمن والعسل.
ثم تقام في العراق ديمقراطية بقيادة شيعته وبتوجيه من المرشد الإيراني وتابعه المرجع السيستاني، فيعاد إحياء الامتزاج الأخوي بين الفرس والعرب، وتقوم سوق مشتركة تضم مائة مليون ويزيد، ينضم إليها من يشاء من سورية وربما الأردن، ولبنان.. بلاد طيبة ورب غفور، فتشكل محور ممانعة حقيقي ضد عدوان إسرائيل وهيمنة أميركا، مع يد ممدودة لبقية العرب، من مصر حتى المغرب، ومن مسقط حتى اليمن فيعزف أبو بكر سالم في طهران وتغني فيروز في مشهد، وتعرض أفلام الهوى القمي في عمان والقاهرة، ويحتفي الناس في كل العواصم بسجاد إيران وزعفران إيران، ثم يختمون الأماسي ببيوض أسماك إيران!
كان يمكن أن يحدث هذا.. لكن الله جعل هؤلاء أوباشا أجحاشا أطراشا ألطاشا أهواشا، لا يعقلون ويفقهون، ولا يعتبرون ويتعظون، كثيران تتوه في البرسيم، فلا موهبة ولا عظة.
لهذا رأيناهم يأتون بالمتخلفين عقليا، ويشحنوهم ويحرضوهم طائفيا، فما كان هؤلاء لفرط عبقريتهم، غير بدء الانتقام من يزيد.. وممن قبل يزيد!.. وصيّروا قتل من اسمه عمر حلالا، واغتصاب وسلخ جلد من اسمها عائشة مفتاحا للجنة، ألا لعنة الله عليهم ما أتفههم وما أحقرههم..
الا لعائن الله على من لا يلعنهم.
وهكذا انفرط عقد العراق، وتمزق شمله، وضاع أمنه، فامتلأ بالحقد والضغائن، دم يجر دما، وانتقام يستجلب الذي بعده، وهكذا دواليك إلى أجل غير مسمى.
فالعراقي الذي كان يتعايش بل ويمارس طقوس التشيع بكل ود وأريحية صار يمقتها، فلقد سدت الأبواب في وجهه، فهو ممنوع عن عاصمته، إن زارها يحتاج كفيلا، وإن اشترى عقارا فيها لا يمكن له أن يسجله.. محروم من الوظيفة، تضن عليه الدولة الإيرانية بأبسط حقوقه كمواطن.. إن سار متهم، وإن نطق فهو فكافر ملعون، وإن رفع رأسه فليس من جواب غير الإهانة.
لكن العراقي صاحب أصل وكرامة، وعلو الفارسي عليه نكتة لا تطاق، إذ لكأنها خادمة فلبينية في القصر تعاير بنات آل سعود بأصلهن.. فهنا لم يكن بد من مواجهة الجنون بالجنون.. والجنون في الوطنيات والسياسة فنون وفنون، فوجدت القاعدة طريقها إلى العراق عبر حليف إيران بشار الأسد، وكان القصد تخويف الأميركيين في العراق من أن يتمادوا ويقتربوا من النظامين في طهران ودمشق، ثم تطور الأمر من إفساح النظامين السبيل لداعش ليصاب الغرب بالرعب، فيبقي على بشار الأسد ولو قتل كل سنة سورية.
هنا لم يكن أمام العراقيين غير هذا السبيل للموت بكرامة طالما أنهم ميتون ميتون..
أوليس الموت بالرصاص أرحم من الموت جوعا؟
أوليس الموت بالتدمير أكرم من الموت ذلا وإهانة؟
أوليس الموت بالإرهاب أقوم من موت الخضوع والتوسل لمن لا يرعوي أو يرحم.
نعم..
هذا ما حصل بالضبط، ولقد دفع العراقيون والسوريون الكثير الكثير ونحن نتفرج.. نتعاطف يوما وننسى يومين، لكنه قدموا لنا خدمة ليس أعظم منها وهي أنه لا يمكن التفاهم مع هؤلاء الملالي الأوغاد القتلة.. أما الأهم من ذلك فهو أن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا غير حمقى ومجانين.. وأتيس من جمل شنوع*
* أتيس من جمل شنوع مثل يضرب في قريتنا فقط عن جمل لصاحبه شنّوع سقط في بئر ضيقة فمن فرط دهشة الناس مما حدث صارت يمثلون عن كل غبي بالقول: أتيس من جمل شنوع.