كتاب سبر

السعودية وبلدان خليج عمر والملك سلمان.. وإيران وداعش

يعلم الله أنه لولا عاصفة الحزم لكنا جميعا الآن غرقى المواجهات مع داعش.
ويعلم الله أن إيران وإسرائيل منفردتين هما سبب داعش ومن قبلها القاعدة وكل تطرف آخر.
لا ينشأ التطرف في المجتمعات إلا بسبب تقصير الدولة عن التصدي للأعداء والنهوض برسالة الأمة (الجمعية) ما يطمئن قوى المجتمع على وجودها، ويقيم معيارا متوازنا وصحيحا لا تسوده الفوضى والعبث.
ويعلم الله بأن التصدي لإيران وبكل قوة، والدخول في عقر دارها عبر سياسات مماثلة لسياسات الفتنة التي تمارسها هو السبيل الوحيد للجمها.
وإذا عدنا لجوهر المسألة فلا بد من مباشرة أسبابها وظروفها، فالوقاية خير من العلاج، بل هي الوجوب لاتقاء المرض.
فلم يفسح الباب لـ (شعبية) القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر غير ثلاثة أسباب: التغول الإيراني والصهيوني أولا، وتواطؤ ودعم الغرب ضدنا كمسلمين ثانيا، ولين ورخاوة نظام عربي رسمي تجاه قضايا مصيرية تمس صميم معتقد الأمة ووجدانها وتاريخها، بما جعلنا فعلا طعام قصعة تتداعى الوحوش عليها ثالثا.
بعد تلك الهجمات (سبتمبر 2001) نزلنا في الصحافة إلى الشارع من هول الحدث، فكانت النتيجة أن 85% من مجموع الشعب العربي المسلم يؤيد فعلة القاعدة!
وكان لذلك أسبابه.
كانت إيران من جهتها تنتصر ذلك الانتصار التلفزيوني عبر حزبها اللبناني العميل، وبلغة خطاب مبهرة في الشكل، وتكفرنا كسنة في الجوهر.. وإسرائيل تعمل ذبحا في الشعب الفلسطيني مع أن قيادته استسلمت وجنحت للسلم حتى (انسدحت) على الأرض، والعدوان على الأقصى يحدث كل وقت ودقيقة، فيما برز أمام الشباب الغض البريء الطاهر نموذج للتحدي والقوة مثله أسامة بن لادن، فهو لم يتحد نظم دوله العربية والإسلامية.. لا.. بل ذهب لما هو أعظم، ضاربا رأس أقوى القوى العالمية على تعاقب التاريخ، وأوجعهم في أعقار ديارهم، على حين بغتة، وقتل منهم الآلاف ودمر أعلى معالمهم!
هكذا يقول الشباب بغض النظر عما أقوله أنا وأنت، فأسامة بن لادن عندهم ملياردير باع القصور من أجل كهف وبندقية، وعاف الرفاه والرياش والديباج والفخامة من أجل حياة تقشف وتحدي جذابة، مؤطرا ذلك بخطاب إسلامي شرعي أنت تعتبره خارجيا وغلوائيا نعم، لكن الشباب يقرأ عنه أدبيات كاملة من القوة والمنعة ومجاهدة على الكفر.
والشباب يقتنع بمثل هذا، فإيران أقنعت شباب الشيعة بأن المهدي سيحكم العالم عبر بحر دماء العرب ومن ضريح فاطمة، مع أن ذلك غيب وتوهم وهرطقة، وهذا عماد مغنية يكتب على قبره: “أوصي بدفن جسدي في روضة الشهيدين وعدم وضع بلاطة على قبري إلى بعد بناء مقام أئمة البقيع”!.. فلماذا لا يقتنع شباب السنة برجل طوله 190 سنتمترا يشع بالوسامة والتواضع، ويمثل مثول العين كبطل أسطوري، متحديا الكفار عبر قنواتهم التلفزيونية، وليس إماما من ظهر الغيب!؟
ومثل أسامة بن لادن كان (أبطال) آخرون دوخوا أعتى القوى (المعادية) فخطّاب اربك روسيا ودوخ جيوشها، ومثله آخرين في البوسنة، وغيرها.
كان شباب السنة يرد على خطاب تطرف أسطوري يعتمل ويتكاثر وينهض في إيران الملالي، يشتم ابو بكر وعمر ويخطئ جبرائيل ويحقر عائشة وحفصة وكل الصحابة.. خطاب لا يؤسس دينا لوحده فيتركك وشأنك لتتعايش معه كما تتعايش مع عبدة البقر والفئران إذا ابتليت بوجودهم، بل  هو يشتم عائشة بينما ابنتك عائشة.. خطاب لا يتهم النبي بالهرطقة وسرقة الإنجيل كما النصارى، أو بسرقة توراة موسى كما اليهود، بل يطعن يقينك وبأذى يمس عمق وجدانك العميق.
وليته يكتفي بهذا، فبالإمكان تنظيم قوانين تلجم الملالي الحمقى عن المساس بعقائد الناس وتجريحها عبر العقوبات، لكنهم يبشرون ويروجون للحرب والدم، فالدين الحق برأيهم لم يقم منذ مات الرسول الكريم الخاتم المبلغ المكمل المتم الأمين صلى الله عليه وسلم، بل سيقيمه المهدي عندما يظهر.
وليت هذا يكفيهم فهو من أمر الغيب منذ 1300 سنة، لكنهم جعلوا للمهدي نائبا يتولى التمهيد لدولته كما يروها هم!.. ونصبوه (وليا لأمر المسلمين) ومرشدا لدولة تنام وتصحو على وهم تشييع المسلمين.
ثم بدأت عملية التطبيق للنظرية!
شن الأميركيون الحرب على القاعدة في أفغانستان فسحقوها، فلم يقتنعوا بزوال خطرها لأن صدام حسين سيتعاون معها، فما كان منهم إلا أن احتلوا العراق ثم سلموه للولي الفقيه نائب الإمام الغائب، لتنطلق من العراق دولة المهدي عبر ذبح السنة وإقصائهم وإذلالهم وتهجيرهم.
احتل الإيرانيون العراق بهذا المبدأ ووقفت دولنا العربية واجمة دون تدخل أو مشاركة في رسم مستقبل العراق الجريح، فتولاه لصوص ومرتزقة ودمى تؤمن بدين إيران بغلو الغلو.. ثم بدأت حفلة القتل، فمن اسمه عمر يسحل في الشوارع، ومن اسمها عائشة تعتقل ويتعاقب عليها في السجن المغتصبون يفعلون الحلال انتقاما لعلي، وتقربا إلى الله!.. والحمد لله أن اسم أبو بكر قليل في العراق، وكذا اسم حفصة وإلا للقي من يحملهما الذي لقيه المسمون عمر وعائشة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.
وحدث هذا بينما عشرون ألف قناة تروج لمذهب الإقصاء والانتقام والثأر والدين الحق، وقول كل ما لا يخطر ببال، ومما لا يصدقه عقل ولا يقبله منطق، ورأى شبابنا هذا في ظل تغول إيراني مندفع، يتحدث جهارا نهارا عن السيطرة على العواصم العربية واحدة بعد الأخرى، والهيمنة على بحارنا ومضائقنا، بالتزامن مع خنوع لتغول اليهودي في بلاد الأقصى، فيما يقدم الولي الفقيه نفسه عبر حزبه اللبناني المسرحي المرتزق، كمتحد لليهود إلى ما بعد بعد بعد حيفا، في ظل إصرار على مشروع نووي مشبوه، يلقي ظلاله ابتزازيا على بلدان منكوبة في سورية والعراق ولبنان في خطف لدم شعوبها من أجل إيران عظمى.
هنا لماذا لا يتطرف الشباب؟
من يلوم العراقيين الذين نساؤهم تغتصب في الشوارع، واللغة الفارسية تصبح لغة رسمية ثانية ببلدهم العربي الخاص، إذا خرجوا عن المعقول والمقبول؟
كيف تلوم شبابا غضا على انفعاله على جرائم لم يشهدها التاريخ في سورية من أجل تثبيت حكم أقلية طائفية صغيرة على رقاب بلد أغلبه من السنة؟..
هذه البيئة من غياب الرد الرسمي (من ولي الأمر صاحب الولاية الرسمية) على إيران كانت ستجعل بلدان الجزيرة العربية الهدف التالي لتنظيم داعش، ولهذا فإن الحرب في اليمن اليوم هي أيضا حرب على التطرف، فعندما تمحق سبب التطرف فإنك تجفف منبعه الأصلي، فإزهاق الفعل نفي لمبرر رد الفعل.
ونحن نشهد جميعا أن (الفعل) نشأ أصلا في إيران، ونحن نشهد مفاعيله حيث غرس يد فتنته البغيضة دمارا وقتلا وسوء عاقبة وتشريدا للشعوب.
ولقد شرد المشروع الإيراني من شعوب سورية والعراق ولبنان واليمن في سنوات 20 ضعف ما شرده المشروع اليهودي في فلسطين من الفلسطينيين خلال 70 سنة.
ولكن كما يقول الله سبحانه وتعالى: “ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين”، وقد هيأ الله للأمة قائدا كبيرا شجاعا ومثله قادة دول خليج عمر بن الخطاب، أصحاب السمو والجلالة، الشيخ صباح الأحمد الصباح، والشيخ خليفة من زايد آل نهيان، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والملك حمد بن عيسى آل خليفة، وجميعهم أهل حكمة وشجاعة ومسؤولية وإيمان، لكي يقوموا بدورهم المسؤول في إعادة التوازن للمشروع القومي العربي، وإعادة بناء الأمة على أساس من العز والكرامة والحقوق المشروعة والمتبادلة.
إن إيران بملاليها الجهلة لم تفعل الذي فعلت في بلادنا من عدم الاستقرار، وانعدام الثقة بالمستقبل إلا جراء غياب هذا المشروع العربي المستحق، وهؤلاء القادة أهل لذلك بإذن الله، فهم أبناء جزيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأجدادهم الصحابة الكرام، وبلادهم منبع العرب وأصلها ودرة جواهرها.
أما الطرف المقابل فمستحق وأذنابه المواجهة والتصدي، فهؤلاء لن يرعووا إلا إذا رأوا منا الحسم والحزم والعزم وغرم التعدي والتدخل والاجتراء، وقد تم تجربة كل حل آخر فلا جدوى.
وحتى أختم فسأوري حكاية وعليها شهود، وقالها رجل عارف بإيران ومنطق الفرس، وفي ديوانية كرام من الكويت العربية العزيزة هم آل الخنة الأفاضل، قبيل الانتخابات النيابية التي فازت فيها قائمة القيادي القومي المحترم (الشيعي) اياد علاوي.
تلك الأيام اصطحبت أستاذي حسن العلوي إلى تلك الديوانية، فدار حوار (عليه شهود ومن يكذبني فليكذبني)، خلص فيه الأستاذ العلوي وسط دهشة الحضور إلى القول بأن إيران تصنع إسلاما خاصا بها يختلف عن التشيع العربي الذي تعرفوه، وبتقديري – الكلام للعلوي -فإن الملحد غير المؤمن أقرب لكم للتفاهم معه من المؤمن!
فلما ضج الحضور بالتساؤل قال مصرا على رأيه: لأن كل شيء معهم مختلف إطلاقا، فأنت تجل وتحترم أبو بكر وعمر، وهم يعتبروهما شيطانين وبدرجة أسوأ من درجة إبليس، وأنت تجل وتحترم كمؤمن أمك عائشة وأمك حفصة وهم يعتبروهما…. – أكرمهما وأجلهما وطهرهما الله تطهيرا كأهل بيت النبي – فالله يقول: “يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا* وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا” الأحزاب 32-34، وأنت وهم، وأنت وهم، وأنت وهم.. ألخ مسهبا في ضرب الأمثلة ليثبت أن هؤلاء لا يريدون اي مشتركات بيننا تماما وقطعيا، فما من سبيل للقاء والتفاهم.
هنا ما هو الحل؟
ليس من حل غير إعادة هذا المشروع الهيستيري على كل صعيد إلى بلاده دون أي امتدادات بيننا.. وعندها والله لن تسمعوا باسم داعش، أو القاعدة أو أي نوع من أنواع التطرف في صفوف الشباب الذين تتقطع قلوبنا على من يتورط بينهم فيقع في مطب تدمير بلاده وإزهاق أرواح اهله.
واصلوا هذه الحرب المقدسة في اليمن لإعادة شرعيتها إلى كل ترابها، واضربوا بيد من حديد على كل من يخل بالأمن الداخلي ويستهدفه، والجموا مشروع الهوس الإيراني هذا، فذلك هو السبيل لبروز قوة عربية مهابة يحسب العالم حسابها، وسيكون ذلك بإذن الله هو الأساس الأعظم لتحرير أقصى حرره عمر.. ولن يعيده غير أحفاد عمر، والله المستعان هو نعم المولى ونعم الوكيل.