فن وثقافة

السياسة اهتمام عربي جديد.. يطوّح بكرة القدم ويحتل المسرح

لم يعد الحديث عنها أمراً يثير الخوف! السياسة صديق جديد منذ أن بدأت التغييرات تأخذ طريقاً متسارعاً في العالم العربي، بدءاً من تغيّر بعض الأنظمة إلى كسر حاجز الصمت المقيّد في الحديث عن السياسة، فخلفك أو بالقرب منك أو حتى بجانبك أو ربما أنت أصبحت متورطاً راغباً أو مرغماً على الاهتمام بالسياسة وتحليل ما يجري، قبل هذا كان من سبيل التهكم عند الحديث عن الرياضة أن يقال “يوجد في كل منزل محلل رياضي” أو “يوجد في البلد مليون مدرب” الآن يوجد في تويتر وفيسبوك وفي المنزل والعمل والشارع والمطعم محللون سياسيون يجسدون ببساطة البيت الأخير في قصيدة صوت وسوط لمحمود درويش: “لكنّ صوتي صاح يوماً: لا أهاب”.




يمتنّ الذين وجدوا فرصتهم الأولى للحديث في السياسة بهذا القدر من الشجاعة لمحمد بوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه احتجاجاً على صفعة فادية حمدي الشرطية التونسية. كبرت النار وحرقت الخوف وجعلت من لوحة المفاتيح وحديث الأصدقاء والكلمات الطائرة إلى الأذن أشياء جديدة خلفتها الثورات العربية ليصبح الكل في لحظة مفاجئة جزء من الحدث والحديث والتغيير أيضاً.



تحول في الإهتمام



التفسير الأقرب بالنسبة لمن يراقب تحول اهتمامات الإنسان العربي منذ شهرين هو أن السياسة أصبحت قصة طويلة قبل النوم، وخبزاً يضاف إلى قهوة الصباح. سعيد الوهابي مدون وروائي سعودي (26 عاماً) ينحاز إلى هذا الوصف بشدة و يقول:
“طوال العقود الماضية كانت الشعوب العربية تعيش في الهامش لا انتخابات أو انتخابات مزورة، لا حقوق ولا مؤسسات مدنية ولا آراء سياسية ولا رأيا عاما مؤثرا ولا صحافة جيدة ولا إعلاما حقيقيا، حزمة محبطة من اللاآت، ومع نهاية حرب 1973 يطرأ خبر من هنا أو هناك، ولكن الجميع كانوا قد غادروا حقبة الإنسان المدني المهتم بالسياسة وخصوصاً الشباب”.

وفي الفترة الأخيرة بدأت بعض المؤسسات الفنية تأجيل إصدارات ألبومات غنائية لبعض الفنانين مثل صابر الرباعي، آمال ماهر، بهاء سلطان، عبدالله الرويشد، إما لأن دولاً ينتمي لها هؤلاء الفنانون لازالت في وضعِ غير مستقر، أو لأن الأوضاع كما سماها البعض ليست جيدة ما يجعل فرصة الاستماع لتلك الألبومات شيئاً أشبه بمحاولة مصابٍ بالعمى القفز من شرفة الدور الثاني.

معنى ذلك بحسب سعيد هو أن الجميع غير جاهز لأي شيء غير السياسة، ويجد المدون الوهابي أن السبب بسيط ويمكن تحديده، ويقول: ” لدي مجموعة من الأصدقاء وزملاء العمل ليس لهم أي اهتمام بالسياسة، فجأة أصبحوا يتسابقون على جديد الأخبار، وأظن أن كلام الناس والمجالس واهتماماتهم تدفع الغالبية كي يقرأوا ويشاهدوا المزيد. أتذكر جملة لإحداهن في تويتر تقول “الحمد لله أنني عشت لأجد الجميع يهتمون بشخص مثل وائل غنيم، ويرفضون مغن تافه مثل تامر حسني”، بالرغم من أنني أتحيز لتسريحة شعر حسني كثيراً”.



السياسة والعالم العربي



وفي العالم العربي يوجد من جربوا الحديث عن السياسة، وهم يفعلون ذلك منذ أن أبصروا النور ووجدوا أنفسهم محاطين بالأحداث وفي دائرة الضوء تماماً، وينطبق ذلك على من جرب العيش في فلسطين أو لبنان أو حتى العراق في السنوات الثمان الأخيرة، عفاف خلف روائية فلسطينية (27 عاماً) تعيش في نابلس وتجسد ذلك حيث تقضي عدة ساعات في تصفح الإنترنت يذهب أغلبها لتحليل الأوضاع داخل بلدها أو تلك التي تمس الأحداث الجارية.

وتقول: “أصبحت مفردة الثورة من ضمن قاموسنا اليومي، وبدلا من ملاحقة المسلسلات ومتابعة آخر صيحات الأغاني، أصبحنا نتابع القنوات الإخبارية بحثاً عن المعلومة ونتلقف ما يقوله الجميع، إنه ليس أمراً جديداً, لكن أن تتحدث عما يحدث في بلدان أخرى وتجد أنهم يتحدثون كذلك بمقاس حرية أوسع، فالأمر هنا يختلف”.

ومثلت تجربة الشبكات الاجتماعية والمواقع الإخبارية على الإنترنت فرصة جيدة للتعبير عن الرأي، حتى وإن جاء خلف أسماء مستعارة طيلة السنوات العشرالأخيرة، فإنه يعرف الآن تحولاً مع تبني أشخاصٍ لآراء سياسية معينة وبأسماءٍ صريحة، سعيد الوهابي يرى أن هذا الغول (السياسة) لن يكون صديقاً دائماً، ويقول: “الناس بطبعهم يحبون كسر الملل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وبقدر اهتمامهم بالسياسة الآن سينسحب عدد لا بأس به ليعودوا إلى الاهتمام بالترفيه والرياضة والغناء، وتبقى هذه اهتمامات أصيلة حتى لدى الدول المتقدمة, ومن الإجحاف أن نبخس حقها كثيراً”.



الكل مسيس



هذا العام سيكون استثنائياً في كل شيء مع تصاعد الاهتمام بقضايا السياسة، فالمسلسلات التي تصور أغلبها الآن عصفت بها الأحداث الجارية إما في تغييرات في بعض السيناريوهات المعدة، أو في اعتذار ممثلين كثيرين عن المشاركة في مسلسلات رمضان القادمة حتى يتبين الخيط الأبيض من الغيّ مثل عادل إمام، وأشرف عبدالباقي، وليلى علوي وغيرهم.

ليس هذا وحسب، فالدورات البرامجية لكثير من القنوات أصبحت معبأة بالسياسة كما هو الحال في الملاعب حين احتفل لاعب سوداني بأحد أهدافه بالرفع عن فانلته المكتوب عليها “ارحل”، ووصلت عبارته تلك كغيرها إلى المنازل والموبايل والمكاتب داخل العمل وأصبحت مسيّسة في ظاهرها وهي تقصد أشياء أخرى مثل “الشعب يريد إسقاط المدام” و”النساء تريد إسقاط الرجال”.