كتاب سبر

علينا يا مناحي

 رانيا السعد

علينا يامناحي

وفقاً للمعجم الصحاح : “فَسَدَ الشيء يَفسُدُ فساداً، فهو فاسدٌ”

لو كان الفساد رجلاً لقال لمن يدّعون محاربة الفساد في بلدي : علينا يا مناحي !

الدول العشائرية هي دول قائمة على الفساد فهي ترتكز على العطايا والمنح التي تهديها الدولة للموالين حيناً ولكافة الناس باعتبارهم المؤلفة قلوبهم حيناً آخر.

في الماضي كان الفساد براميل تحيط بأرض ينسبها متنفذ لنفسه وقطعة أصغر لخوّيه. اليوم كبر الموضوع وأصبح يتضمن إرساء مناقصة على تلك المجموعة الاقتصادية السياسية لترضيتها ، وحجبها عن أخرى لمعاقبتها فما يكون من الثانية إلا أن ترفع نبرة محاربة الفساد لتحظى بـ (ترضاوة) تخفِّض على أساسها صوتها المحارب بسهولة من يدير قرص التحكم بالصوت في مذياع.

يتكلم نائب عن الفساد ولكنه لا يجد غضاضة في نقل الأصوات، وآخر يدعي محاربة الفساد في حين أنه لا يرى ما يمنعه من دعم أحد أقربائه لتسلم منصب رفيع، وثالث يهاجم الفساد إلى أن يتم إطعامه بعض الزلابية التي تجعل لسانه يقطر عسلاً في مدح نزاهة النظام.

أما جمعيات النفع العام المتخصصة في محاربة الفساد كما تزعم فهي أول من يقايض الحكومة على مواقفهم من الفساد والتجاوزات بشتى أنواعها ، كما أن قيادتها تمارس من خلال دفع اشتراكات الأعضاء المتخلفين عن السداد فقط لأغراض انتخابية حتى يحصلوا على كرسي في مجلس الإدارة ويتنحنحوا ويصلحوا من وضع جلستهم وينظرّوا عن أهمية مؤشرات الفساد أمام كاميرات الإعلام.

من الصعب تخيل بلادنا بلا فساد، فلو زهق الفساد من استغلاله وقرر أن يجمع كل ما يملك من حطام الدنيا في صرة يحملها على ظهره ويترك البلاد ماذا سيحدث؟ 

سيترك أيتاماً يبكون خلفه ويطالبونه بالعودة فهم لا يعرفون من الدنيا غيره أباً ومعيلاً. كيف سيكون شكل انتخاباتنا البرلمانية من دونه؟ مَن لنواب الأمة مِن بعده  سواء مَن يستفيدون مِن خبراته أو مَن يسترزقون مِن محاربته؟ مَن لجمعيات النفع العام ؟ مَن للكتـّاب الذين يكررون اسمه مئات المرات ليتم تكريمهم لاحقاً بأنهم محاربو الفساد؟ مَن للبرامج الحوارية من بعدك حيث يتسابق المتبارزون على إظهار عدائهم لك في العلن في حين أنهم يطارحونكم السلام  خلف الأبواب المغلقة؟ مَن لكل هؤلاء ؟

ختامها شعر

أَماكِناً لَعِبَت أَهلُ الفسادِ بها

 فدَمَّرُوها بلا فِكرٍ وَلا نَظَرِ

لَم يَبقَ في خَيرِها فَضلٌ وَلا سَعَةٌ

عَنِ العَدُوِّ لذي نَفعٍ وَلا ضَرَرِ

ابن المقرب