أقلامهم

مقال ساخن
الدعيج: لو كنت انا احد حكام الخليج لتوليت الآن قبل الغد تدبير الامر النهائي مع ايران

الكاتب عبداللطيف الدعيج يوضح لحكام الخليج ما يرى بأنه الطريقة الأنسب للتعامل مع الجار الإيراني. سبر رأت في مقال الدعيج اليوم “مقالاً ساخناً”..

عبداللطيف الدعيج

إيران.. إذكاء أم احتواء؟

من السبعينات كتبت ان مجلس التعاون الخليجي هو مجلس حكام، وفي اقصى حالات التفاؤل هو مجلس دول وليس مجلس شعوب. وهذا الاستنتاج ليس صعبا وليس بحاجة الى عبقرية خاصة او جهد للتوصل اليه، فنظرة سريعة على طبيعة اعضاء التعاون تكشف ان الاغلبية بلا مؤسسات ديموقراطية وبلا ارادة شعبية تحدد مسار التعاون الخليجي المنشود واهدافه. والاكثر من كل هذا وضوحا، وفي الواقع لمعانا، هو ان كل انظمة دول التعاون الخليجي هي انظمة وراثية اسرية يحكم اغلبها قرار اسري او فردي، وليس للناس او الشعوب الخليجية «المتعاونة» اي تأثير في هذا التعاون المزعوم او اي تحديد له.

الآن.. وبعد دعوة الاردن والمغرب للانضمام الى مجلس التعاون، هذه الدعوة التي تستبعد العراق المطل على الخليج، والذي يجمعه مع شعوب الخليج تاريخ وارتباط اكثر مما يجمع بينها وبين الاردن، والتي تتخطى سوريا ومصر وحتى السودان لتقفز بعيدا، جغرافيا واقتصاديا واجتماعيا الى المغرب، فإن الواضح والمعلن بشكل غير رسمي هو ان مجلس التعاون، كما وصفناه سابقا، هو مجلس تعاون اسر حاكمة، ربما يسيطر لدى أغلبيتها هم الدفاع عن حكمها على هموم تحقيق الرفاه والتنمية لشعوب الخليج. فكل من يملك ذرة من العقل يلاحظ ان العراق وسوريا، على سبيل المثال وليس الحصر، تم استبعادهما لانهما جمهوريتان، بينما تمت دعوة الاردن والمغرب لانهما محكومان مثل بقية دول التعاون من اسر ملكية. هذا طبعا مع التخفيف من أثر الهيمنة المذهبية غير المحسوبة على الذين قد تكون نظرتهم الى العراق على انه محكوم شيعيا بينما سوريا علوية!.

حاليا يطرح امر التعاون الخليجي بشكل فج وساذج، كتعاون لدحر الطموح والغزو الايراني، او عند البعض الفارسي- المجوسي المتوقع. وايران – او بالاحرى حرسها الثوري – مع الاسف لا تدخر وسعا لتعزيز هذا الهاجس والتخوف من مستقبل العلاقة بين دول الخليج العربية وبينها. واذا كان هذا صحيحا، اي الخطر الايراني او الفارسي المزعوم، فهل المصلحة تتطلب احتواءه ام اذكاءه؟ وهل المصلحة -او بشكل اكثر دقة- «التكلفة» تتطلب مواجهته عمليا اليوم ام غدا.؟! 

لو كنت انا احد حكام الخليج الذين يؤمنون بان ايران تشكل خطرا اقليميا على شعوب الخليج لتوليت الآن قبل الغد تدبير الامر النهائي مع ايران. قبل ان تصبح المعركة اكثر صعوبة وقبل ان يصبح دحر ايران اكثر كلفة من الاستسلام لها. ليس من مصلحة احد العيش بتوجس وخوف من الجار، ليس من مصلحة الايرانيين وليس من مصلحتنا نحن. والاولى بنا، ونحن الذين امضينا نصف القرن الماضي ويزيد ونحن في معركة غير متكافئة وغير حقيقية اصلا مع اسرائيل، الا نستبدل اسرائيل بايران. او ان «نعوض» الخطر الوهمي بخطر وهمي آخر.

لكن الحمد لله، لست من حكام الخليج، لكن كفرد يملك او من المفروض انه يملك تقرير مصيره، اقول لحكامنا: ان الاسهل والافضل والاكثر امنا والاقل كلفة، هو الثقة في الشعب الايراني بدلا من استعدائه. وتحييد الانسان الايراني عوضا عن استفزازه. ان احلام المرضى وأوهامهم من الجانبين يجب الا تكون سببا لاشعال حروب وايقاد نار ستحرق الاخضر واليابس قبل ان تنطفئ. وايران ليست الملالي وايران ليست الحرس الثوري، بل ايران عمر الخيام والنيروز ومن علّمنا معنى الجنة «كلمة فردوس في معظم لغات العالم اصلها ايراني». لهذا فان الحنكة والروح السلمية تتطلبان الثقة في الشعب الايراني، الذي هو اصلا مثل بقية كل شعوب هذا اليوم يسعى الى الرفاه والسلم ويتجنب الحرب وتكاليفها الباهظة.

الثقة في الشعب الايراني تتطلب بناء انظمة انسانية وديموقراطية يتطلع لها الشعب الايراني بدلا من ان يتوجس منها، وخلق انسان خليجي حر يغار على مصالح اخيه الانسان في ايران مثلما يغار على مصالحه ومعاشه. هذا وحده الكفيل بنزع الفتيل الى الابد وخلق تعاون يخدم الانسان وليس الطغاة او المغامرين على ضفتي الخليج.

لكن دول الخليج، مع الأسف، على الضفتين، بلا ديموقراطية أو حكم شعبي حقيقي يكون الأساس لحل المشاكل وخلق التعاون ونشر المحبة بين الشعوب، لهذا تنجذب السياسات في هذه الدول الى الحلول الاسهل، وهي خلق المشاكل والازمات مع الآخرين لتعزيز النظام وتثبيت الاوضاع، وخلق حالة من العداء مع أي طرف بهدف إلهاء شعوبها عن المصائب والأخطار الداخلية.