أقلامهم

أحمد الديين يكتب عن عبث الإحالة إلى الدستورية وخطورة الأمر

عبث الإحالة إلى المحكمة الدستورية..!


 


من بين ما يحاول رئيس مجلس الوزراء اللجوء إليه من خيارات للتغطية على تهرّبه المعيب من الاستجواب الموجّه إليه من النائبين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري خيار إحالة الاستجواب إلى المحكمة الدستورية تحت ذريعة استجلاء ما يُثار حوله من شبهات دستورية مزعومة، وطلب تأجيل مناقشة هذا الاستجواب إلى حين صدور قرار المحكمة الدستورية في شأنه.


ومن المعروف أنّه قد سبق لرئيس الحكومة أن حاول أكثر من مرة اللجوء إلى مثل هذا الخيار البائس للتهرّب من بعض الاستجوابات التي كانت موجّهة إليه، ولكنه تراجع عنه قبل أن يقدم عليه بعدما أدرك انسداد أفقه، فاضطر حينذاك مجبرا إما اللجوء إلى خيار الاستقالة أو طلب حلّ مجلس الأمة لإسقاط بعض تلك الاستجوابات، وبعد أن تكررت تلك الاستقالات وطلبات حلّ مجالس الأمة المتعاقبة وافق الرئيس على مضض بدءا من ديسمبر 2009 على قبول خيار صعود المنصة في جلسة سرية، أما الآن فيبدو أنّ رئيس مجلس الوزراء قد قرر العودة مجددا إلى سابق عهده بالتهرّب من مواجهة الاستجواب الأخير الموجّه إليه عبر غطاء إحالته إلى المحكمة الدستورية متجاهلاً ما سبق أن قضت به المحكمة الدستورية في شأن عدم ولايتها على وقائع الاستجوابات والنظر في موضوعاتها.


إذ سبق للحكومة في العام 2004 أن أحالت إلى المحكمة الدستورية صحيفتي الاستجواب الموجّه من النائب مسلم البراك إلى وزير المالية الأسبق محمود النوري؛ والاستجواب الموجّه من النائب سيد حسين القلاف إلى وزير الصحة الأسبق الدكتور محمد الجاراللّه مرفقتين مع طلب تفسير المادة 100 من الدستور، فردّت المحكمة الدستورية في قرارها التفسيري الصادر في العام 2006  بعدم اختصاصها في نظر موضوعات الاستجوابات ووقائعها، حيث جاء في قرارها أنّه “وإذا كانت هذه المحكمة قد أعملت ولايتها وباشرت اختصاصها بنظر طلب تفسير النصوص الدستورية سالفة الذكر وبينت دلالتها وحقيقة المقصود منها، فإنها تقف عند هذا الحدّ دون التطرق إلى بيان الحكم الدستوري لتلك النصوص بالنسبة إلى الوقائع والموضوعات التي كانت محلاً للاستجواب في شأنها، لانحسار هذا الأمر عن ولايتها”.


وليس من المنطقي ولا من المقبول أن يتجاهل رئيس مجلس الوزراء قرار المحكمة الدستورية الواضح والصريح بعدم ولايتها على وقائع الاستجوابات وموضوعاتها، بحيث يحيل صحيفة استجوابه الأخير إليها للنظر فيها… كما أنّه ليس من المتوقع أن تغيّر المحكمة الدستورية قرارها السابق، حتى وإن تغيّرت هيئة هذه المحكمة وتبدّل بعض شخوص قضاتها، وبالتالي فإنّ إحالة الاستجواب إلى القضاء الدستوري إنما هو عبث سلطوي وتلاعب وإشغال للقضاء الدستوري في أمر سبق أن اتخذ قراره الواضح في شأنه، بالإضافة إلى ما تمثّله هذه الإحالة المغرضة للاستجواب إلى المحكمة الدستورية من إقحام غير مرغوب فيه للقضاء الدستوري في خضم صراع سياسي محتدم بين النواب المستجوبين ورئيس مجلس الوزراء.


ولكن الأخطر من ذلك كله أنّ إحالة الاستجواب الأخير إلى المحكمة الدستورية سيكون في الغالب مرفقا مع طلب جديد لتفسير أو بالأحرى لإعادة تفسير عدد من مواد الدستور ذات الصلة، وهو الطلب الذي سبق أن أثار اعتراضات وردود فعل سلبية عندما تقدّمت به الحكومة في تشكيلتها السابقة ثم اضطرت إلى سحبه، وبذلك فإنّ معاودة الحكومة الآن تقديم طلب جديد لتفسير أو إعادة تفسير بعض مواد الدستور من شأنّه إعادة استثارة الاعتراضات وردود الفعل السلبية ذاتها وافتعال أزمة سياسية جديدة.


باختصار، لقد حان الوقت لوضع حدّ لمثل هذا العبث السلطوي المستمر والمفضوح في الدستور والقضاء وإنهاء المحاولات المتكررة لرئيس مجلس الوزراء في التهرّب من مواجهة استحقاقات الاستجوابات والمساءلة… فإما دولة ودستور وحكومة خاضعة للمساءلة أو مشيخة سلطوية، ولا خيار ثالثا..!