برلمان

دراسة قانونية تنشرها ((سبر))
الرأي القانوني في دستورية تأجيل استجواب رئيس مجلس الوزراء

هذه دراسة قانونية لأستاذ القانون الدولي وحقوق الانسان بجامعة الكويت الدكتور ثقل العجمي خص بها سبر حيث تتناول مدى دستورية الإجراء الذي اتخذه مجلس الأمة بتأجيل استجواب رئيس مجلس الوزراء.


إن ما قامت به الحكومة بالتعاون مع بعض أعضاء مجلس الأمة من تأجيل استجواب رئيس مجلس الوزراء لمدة سنة بحجة وجود شبهة دستورية في هذا الاستجواب ووجوب انتظار ورود  تفسير من المحكمة الدستورية أمر يحتاج إلى التوقف عنده وبيان دستوريته, وإنني إذ أؤكد أن من حق مجلس الوزراء أو مجلس الأمة طلب تفسير أي نص من النصوص الدستورية ولكن دون أن يكون من شأن هذا الطلب تأجيل ممارسة نواب الأمة لحقهم وواجبهم الرقابي المتمثل بالاستجواب باعتباره من أهم وسائل الرقابة الدستورية, لذا فإنني أرى عدم دستورية هذا التأجيل وذلك للأسباب التالية:


أولا: إن هذا التأجيل ولهذه المدة الطويلة جدا سوف يعدم وسيلة الاستجواب ومن ثم طرح الثقة أو إعلان عدم التعاون بالتبعية إذ لا يكون طرح الثقة أو إعلان عدم التعاون جائزا إلا بعد الاستجواب, وهكذا سوف يكون إعمال هذه الأدوات الرقابية الفعالة أمر صعب المنال, خصوصا في ظل قبول تصويت الحكومة ككتلة واحدة في مثل هذه المسائل.


ثانيا: إن تفسير المحكمة الدستورية ما هو إلا بيان بمضمون النص الدستوري وفحواه وهو ليس حكما في خصومة قضائية بين المجلس والحكومة كم جاء في قرار المحكمة الدستورية التفسيري رقم 8 لسنة 2004, ومن ثم فإن بيان ما إذا كان الاستجواب متوافق مع الدستور قبل تفسير المحكمة أو بعده أو غير متوافق معه إنما يكون من اختصاص مجلس الأمة من خلال قراءة نوابه لمحاوره ومناقشات أطرافه, فالحكم بدستورية أي استجواب هو من اختصاص مجلس الأمة فقط.


ثالثا: إن الغاية التي عناها المشرع من جواز طلب تأجيل مناقشة الاستجواب إنما هي بقصد تمكين الوزير من الاستعداد وتجهيز الردود على الاستجواب, ومن ثم أقناع نواب الأمة بسلامة موقفه السياسي والقانوني, لذا فإن التأجيل يجب أن يكون لسبب متصل بهذا الوزير وبجاهزيته واستعداده للرد عليه, لذا فإنه يجب على هذا الوزير أن يقوم بعرض أسباب طلب التأجيل على مجلس الأمة الذي قد يوافق أو يرفض هذا الطلب.


رابعا: إن قراءة نص المادة 135 من لائحة مجلس الأمة يجب أن لا تكون قراءة مجتزأة فعبارة “ولا يكون التأجيل لأكثر من هذه المدة إلا بموافقة أغلبية أعضاء المجلس”, فهذه العبارة يجب قراءها مع باقي أحكام هذه المادة, فعبارة “ويدرج [أي الاستجواب] في جدول أعمال أول جلسة تالية لتحديد موعد للمناقشة” وعبارة “ولمن وجه إليه الاستجواب أن يطلب مد الأجل المنصوص عليه إلى أسبوعين على الأكثر” وعبارة “ويجوز بقرار من المجلس التأجيل لمدة مماثلة” كلها تفيد أن الحديث هنا هو عن مدد قصيرة ومقبولة لأغراض النص وهي استكمال استعداد وجهازيته للرد على الاستجواب.


خامسا: إن التأجيل إعمالا للفقرة الأخيرة من نص المادة 135 لا يجوز إلا بعد لجوء الوزير للتأجيل أول مرة وهو لمدة أسبوعين وعدم كفاية هذه المدة لتحقيق الغرض الذي من أجله طلب الوزير التأجيل.


سادسا: إن الفقرة الأخيرة من المادة 135 من اللائحة والتي استند إليها في قرار التأجيل لمدة سنة, جاءت بصياغة تفيد المنع إلا بشروط (شرط صريح يتعلق بالأغلبية الخاصة وشرط ضمني يتعلق بمبررات الوزير لطلب التأجيل), ومن ثم فإن الحديث هنا هو عن استثناء ثاني من شرط من مدة الأسبوعين التي يحق للوزير طلبها وحقه في أن يجاب إلى طلبه.  وبما أن الحديث هنا هو عن استثناء فإنه يجب أن يفسر هذا الاستثناء في أضيق الحدود كما هو مقرر في قواعد تفسير النصوص القانونية.


سابعا: أن من شأن طلب التفسير من المحكمة الدستورية بمناسبة استجواب مقدم إلى مجلس الأمة وتأجيل هذا الاستجواب إلى حين وصول قرار المحكمة إقحام  المحكمة الدستورية بهذا الصراع السياسي وخلق نوع من الضغوط السياسية عليها مما قد يؤثر على استقلالية قرارها.


ثامنا: أنه سبق للمحكمة وان فسرت المواد 100 و101 من الدستور بموجب قراراها التفسيري رقم 8 لسنة 2008, وأوضحت رأيها في مسألة استجواب أي وزير عن أعمال تمت في عهد الوزارة السابقة, والتي قالت فيها المحكمة أن الوزير الجديد لا يسأل عن هذه الأعمال إلا “إذا استمرت تلك الأعمال في عهد الوزير [الجديد] معيبة دون أن يتخذ بشأنها في حدود سلطته أجراء أو تصرفا.. لإزالة العيب أو أصلاحه”. وهذه المسألة هي ذاتها محور الطلب الجديد الذي من أجله أجّل الاستجواب لمدة سنة.


وبناء على الأسباب المشار إليها أعلاه فإنني أرى عدم دستورية قرار التأجيل وأرى وجوب إلغائه في أسرع وقت ممكن وضرورة تمكين المستجوبين من مناقشة استجوابهم لرئيس مجلس الوزراء في جلسة علنية ومن ثم تقرير نواب الأمة الاستمرار بطلب عدم التعاون أو الاكتفاء بمناقشة الاستجواب وإلا اعتبر هذا الأمر تعديلا غير مباشر للدستور وبغير الطرق المقرر قانونا وتفريغ للأدوات الدستورية وعلى رأسها الاستجواب من أي مضمون حقيقي.