نفط للبيع
حسن جوهر
القطاع النفطي وبفضل من الله هو شريان الدولة الأول بل الوحيد، وهو مصدر رزقنا الرئيس، وبالإضافة إلى ذلك هو بنك الادخار لأجيالنا القادمة، إذ تستقطع نسبة من أرباح استثماراتنا النفطية وتودع في صندوق خاص بهم.
ولهذا، فإن المنظومة النفطية- وبما تحمله من مؤسسات وهياكل تنظيمية وسياسات الإنتاج والتسويق، وبما تمثل من عنصر بشري بدءاً بعمال الحفر والصيانة وانتهاءً برؤساء مجالس الشركات فيها- يجب أن تكون وقفاً للدولة وصمام أمان لثروتها الطبيعية.
ومتى ما فقد هذا القطاع أسسه وسماته الوطنية المجردة ومعايير إدارة شؤونه بموضوعية ومهنية، واختل توازنه ليترنح تبعاً للأهواء السياسية والولاءات الحزبية والصفقات الحكومية، فقد حلت الكارثة.
وقد حلت هذه الكارثة بالفعل، ومن يتابع ويترصد تعاقب الوزراء على حقيبة النفط من جهة، والمحطات السياسية التي تشهدها الساحة، خصوصاً في البرلمان فإنه يرى العجب العجاب، ومن صور هذا العجب أن تتغير كشوفات الترشيح لتولي المناصب القيادية، ومن بعدها مباشرة الوظائف الوسطى وانتهاءً ببقية المسميات الوظيفية والترقيات المتسلسلة من القمة إلى القاع!
فلماذا تتغير هذه الكشوفات؟ ولماذا تتبدل الأسماء؟ ولماذا يتأجل إعلانها لحين وجود قضية سياسية خصوصاً الاستجوابات؟ وأين القسم الدستوري والأمانة التاريخية والمسؤولية الأخلاقية ومصلحة القطاع من ضمائر الوزراء وأعضاء مؤسسة البترول عندما يطلب منهم، وبكل بساطة، شطب أسماء، وتبديل أسماء أخرى بجرة قلم قد لا تؤدي إلى ظلم أصحاب الكفاءات ممن أثبتوا جدارتهم واستحقاقهم من خلال المنافسة، حيث لا يشفع لهم عندئذ تاريخهم الوظيفي ومؤهلاتهم العلمية وتخصصاتهم وخبراتهم العلمية فحسب، بل يسري الظلم أيضا على القطاع النفطي برمته؟!
نعم قد يكون التلاعب في الوظائف النفطية ظاهرة سياسية قديمة استمرأتها الحكومات المتعاقبة، وعطلت من خلالها التطور الحقيقي واللائق للصناعة النفطية، لكن أن تبقى مثل هذه العقلية سائدة حتى الآن في ذروة عالم الاتصالات والمعلومات، وفي ظل تنامي الوعي وبروز منظمات الشفافية ومحاربة الفساد، فهذا شيء آخر لا يمكن القبول به أو الرضوح له أو السكوت عنه.
والتعيينات القيادية الأخيرة في شركات النفطية ملف خطير لا بد من فتحه وكشف أسراره وطلاسمه، سواء ما يتعلق بالتوقيت الذي أعلنت فيه الأسماء، أو التلاعب في المسميات، أو إعادة تغييرها، أو تسفيه شروط مهنية وخبرة أصحابها، ومدى استيفائها للطبيعة الفنية للقطاعات التي ستديرها وتشرف عليها، بل العمل على تطويرها، ومثل هذه المعلومات يجب أن تعلن وبكل شفافية أمام الرأي العام الكويتي، وفي محفل يحضره العاملون في القطاع النفطي.
ولذلك أتحدى وزير النفط أن تكون لديه الجرأة والثقة بالقرارات التي اتخذها أخيراً أن يعقد مؤتمراً صحفياً عاماً يُدعى إليه رؤساء الشركات النفطية العالمية في القطاعات المختلفة كالاستكشاف والإنتاج والمصافي والتسويق؛ إضافة إلى كبار المسؤولين الكويتيين في القطاع النفطي، وممن تولوا إدارة الشركات النفطية في السابق، وكذلك الموظفين الشباب من مهندسين وفنيين، ليعلن أمامهم أسماء القيادات النفطية والسيرة الذاتية لهم وتخصصاتهم العلمية والعملية، وأسباب اختيارهم، وتبرير حذف أسماء منافسيهم، ويتبع ذلك بمناظرة عامة يشارك فيها الجميع، ويكون عنوان هذا الملتقى «القطاع النفطي ليس للبيع»!
أضف تعليق