أقلامهم

مقال ساخن
لسنا “حلال شيوخ”!

يجب أن تقلق السلطة من استمرار الاحتجاجات الشعبية كل يوم جمعة.. نعم يجب أن تقلق السلطة.. فالعنصر المهم في تلك الاحتجاجات هو (استمرارها)، وهذا الاستمرار أهم بكثير من عدد المشاركين، وأهم بكثير من هتافات “الشعب يريد إسقاط الرئيس” و”الشعب يريد إصلاح النظام و”الشعب يريد إصلاح القضاء”. إلا أنني، ولمعرفتي طريقة تفكير السلطة، أتوقع أن هناك من يتوقف عند (عدد) المشاركين و(نوعيتهم)، ثم يراهن على توقف الاحتجاجات بسبب “الأحوال الجوية” مثل الحر والرطوبة والغبار، وعلى قرب انتهاء دور انعقاد مجلس الأمة وقرب حلول شهر رمضان المبارك لتخليص السلطة من الأزمة التي تعانيها، مع ترديد عبارة “ما عليك منهم طويل العمر باكر يملون”! إن الاستمرار بحد ذاته يجب أن يكون مقلقا لأن هذا الاستمرار يسمح بتوسع دائرة المطالب وارتفاع سقف الهتافات.. فحتى لو توقفت الاحتجاجات بسبب “عوامل الطبيعة” في الأسابيع القادمة، فإنها سوف تعود في الربع الأخير من هذا العام أقوى مما هي عليه الآن بفعل “عوامل الطبيعة” أيضا وأخطاء السلطة.. تلك الأخطاء التي تعاظمت لأنها أصبحت متلازمة مع طبيعة تفكير السلطة وواقعها الذي يعاني من الشيخوخة السياسية.

وفي تقديري الشخصي فإن السلطة في الكويت لم تعد قادرة على تقديم أي مبادرة سياسية، والأمور “قاعدة تفرط” من يدها بشكل تدريجي، بل أن السلطة باتت عاجزة عن اتخاذ القرارات الصائبة، وهي بالكاد تستطيع اتخاذ قرارت “ترقيعية” ذات مضامين “شخصية” وأبعاد “آنية”، مثل قرار إخراج الشيخ أحمد الفهد من (الحكومة) الحالية كمعالجة للانقسام الشديد الذي يعاني منه (بيت الإمارة) حاليا، من دون معالجة موضوعية لأصل الخلل في هذا البيت، ومن دون تفكير في آثار ونتائج هذا الخلل.. إن منشأ الأمور ونهايتها في تفكير السلطة يدور دائما في الإطار الشخصي، وها هو الخلاف بين “ناصر وأحمد” يتم حله وكأنه خلاف مبكر بين “الورثة” على “التركة”، فيتم كف يد أحمد عن التصرف في “الحلال” مقابل إطلاق يد ناصر ومنحه “توكيلا عاما” بالتصرف في “الحلال”.. وهو ما يعني تغيير “ساحة الخلاف” وتعميقه وتوسيع مداه وتعظيم خطورته.

إن الكويت الدولة والكويت الشعب ليست عنصرا من عناصر تركة الشيوخ.. نحن “دولة” ولسنا “حلال شيوخ”، وما يحدد علاقة الشعب بأسرة الصباح هو نصوص الدستور ومبادئ الإدارة الرشيدة.. ونحن وإن كنا نحبهم ونغليهم ونحترمهم، إلا أنه ليس على جباهنا “وسم الصباح” ولا نقاد كالقطيع. لذلك فإنه، وأيا ما كانت تفاصل الخلاف بين “ناصر وأحمد”، فهو خلاف بين رئيس مجلس وزراء الكويت ونائبه يعبر في حقيقته عن وجود أزمة سياسية جدية عامة في بيت الإمارة وليس مشكلة شخصية بين شيخين، ويعبر أيضا عن وجود خلل في منهج إدارة الدولة. ويكشف استخدام البرلمان كأداة للإطاحة بالشيخ أحمد الفهد المدى المرعب الذي بلغه الفساد السياسي في البلاد. إن تفشي (الفساد السياسي) ووجود أزمة في (بيت الإمارة) ووجود خلل في (إدارة الدولة).. كل هذه قضايا عامة تهم الشعب وليست قضايا خاصة بالأسرة الحاكمة ولا يمكن حلها عن طرق القرارات “الترقيعية”.

إن الوضع السياسي الراهن بالغ السوء.. والأمور كما أراها تتجه نحو المزيد من السوء والتردي، ففي تقديري أن التبرم الشعبي من الإدارة السياسية يتفاقم.. وهناك قطاع كبير من الشباب يريد إثبات ذاته في الشارع بعد أن فقد الثقة بمؤسسات الدولة وسلطاتها، وسوف يتطور العمل السياسي الشعبي سريعا.. كما أنني أتوقع أن تنفتح مسارات جديدة في اتجاهات أزمة بيت الإمارة، وكأنني أرى من لن يتورع في استخدام كافة الأوراق والأدوات المتاحة على الطاولة السياسية مثل إشعال الصراع الطبقي الاجتماعي والصراع الطائفي.

ومن هنا فإنني أرى أن الكويت في حاجة ماسة لقرار حكيم من صاحب السمو أمير البلاد بحل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات مبكرة، ثم تشكيل حكومة جديدة برئيس جديد. إن الكويت تحتاج إلى مبادرة تؤدي، على الأقل، إلى إبطاء سرعة الانهيار. إن فكرة “تنظيف الطاولة” أو “تصفير العداد” هي ما تحتاجة الكويت حاليا كحل “ظرفي موضوعي” أكثر من حاجتها لحلول “ترقيعية شخصية”. إن الدعوة إلى انتخابات مبكرة سوف يؤدي إلى توقف الاحتجاجات الشعبية أولا، وفيها تحكيم لإرادة الشعب، وفيها فرصة للشعب كي يعيد النظر في اختياراته، وفيها أيضا فرصة للسلطة كي تلتقط أنفاسها وتبحث عن حلول موضوعية لأزمة بيت الإمارة وخلل الإدارة. أطرح هذه الفكرة على الرغم من قناعتي الراسخة بأن السلطة في الكويت لا تستطيع تقديم حلول موضوعية عامة تتسم ببعد النظر، وأنها غالبا ما تعيد إنتاج أزماتنا!