كتاب سبر

وعي الوشيحي وروح قنديل

…الطرقعة صنو الإبداع أحيانا، والصياعة تضفي نكهة للصياغة، و بعيدا عن إحسان عبد القدوس وعبد الناصر استفزني البدوي مظهرا والمصراوي مخبرا محمد الوشيحي لإعادة قراءة روائع أهملتها لتوفيق الحكيم ، والبعرة تدل على البعير، و خط القلم يدل على الجنسية، والوشيحي الكويتي مصري قلما وروحا وصياغة وأحيانا صياعة، وفؤاد قنديل مصري القلم والأب والأم واللسان، و روائي مبدع في (عصر واوا ) و(كسبان حتة).. والوشيحي (مطرقع) كرواد مقهى بلدي، وقنديل نخبوي كرواد زهرة البستان، والمسافة بينهما كالمسافة بين السادات وعبد الناصر، أو بين نجيب محفوظ و هيكل، أو هي بالضبط على قد المسافة بين عودة الوعي وعودة الروح، وما بين الروح و الوعي ملايين انتقلت من تحسس وقع أقدام المخبرين ومن تلمس أنباء المغيبين وراء الشمس في سجن القلعة والوادي، ومن التغمز بأخبار غراميات رجال الثورة، ومن النكسة على وقع سبعة وستين ومن الوكسة على دق الاشتراكية البلهاء،….، إلى تنسم دقات قادوم السادات على جدران السجن، وعبور رجال الصاعقة في استنزاف عدو مغرور، وحتى أقدام طاهرة فوق قوارب مطاطية تعبر إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، وترفع علما غاب ست سنوات موجعات عن أرض سيناء.

هذا بين عودة الروح التي كتبها توفيق الحكيم عام ثلاثة وثلاثين وقال عبد الناصر: ” إنها مع مسرحية السلطان الحائر كانتا نبع إلهام الضباط الأحرار” وبين عودة الوعي في مطلع السبعينيات، وهي نفس المسافة بين أدب شيخ المسرح و انقلاب شيخ الضباط.

ففي عودة الروح كانت مصر تبحث عن مصر بين حكومات متناحرة وقصر ضعيف ومحتل أجنبي، أما في عودة الوعي استرداد لوعي مصر الرائعة التي إن قالت فعلت، وإن نفخت في القوارب عبرت،وإن أرادت فوسَع يا جدع .

 وبالوعي هاجم الحكيم جمال عبد الناصر بعنف ولخص موقفه من التجربة الناصرية، واصفا هذه المرحلة بأنها كانت مرحلة عاش فيها الشعب المصري فاقد الوعي، مرحلة لم تسمح بظهور رأي في العلن مخالف لرأي الزعيم المعبود. وأعلن في كتابه أنه أخطأ بمسيرته خلف الثورة بدون وعي وكتب “العجيب أن شخصا مثلي محسوب على البلد هو من أهل الفكر قد أدركته الثورة وهو في كهولته يمكن أن ينساق أيضا خلف الحماس العاطفي، ولا يخطر لي أن أفكر في حقيقة هذه الصورة التي كانت تصنع لنا، كانت الثقة فيما يبدو قد شلت التفكير.، سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد، وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد، فسكرنا حتى غاب عنا الوعي”.

وما إن أفاق الحكيم ورفاقه حتى أفاقت مصر والعرب،هذا عن الحكيم، أما نجيب محفوظ فموقفه معروف من الناصرية، و(لو كنتو نسيتوا اللي جرى هات مائة رواية ت نقرا) وشكرا للرائعين قنديل والوشيحي، والراجل اللي ورا عمر سليمان.

mmowafi@gmail.com