كتاب سبر

دولة حزب الله والحرب الوقائية

يعتبر لبنان البلد العربي الصغير بمساحته الجغرافية، الكبير بتاريخه وحاضره مثالاً فريداً للتجاذبات والصراعات الإقليمية والدولية، ولكل دولة إقليمة أو دولية ممثلاً في الداخل اللبناني من أحزاب وقوى ومؤسسات ومنظمات ووزارت ومحطات تلفزة، ولا يُخفي اللبناني ولاءه سواءً للغرب أو الشرق، وسواء للملكة العربية السعودية أو إيران أولفرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو حتى إسرائيل. وتتجاذب لبنان قوى إقليمية ودولية في تشكيل نظامه السياسي فهي دولة مبنية على التوافق الطائفي، وهو إفراز لحرب أهلية دامت لأكثر من خمسة عشرة عاماً حصدت آلاف الأرواح وزعزعت البنية التحتية و الاستقرار والأمن القومي والوطني، فلقد انتهت الحرب الأهلية باتفاق الطائف الذي أسس لحقبة جديدة من التقارب اللبناني ولكن ببندقية سورية ومراقبة سعودية وقلق أمريكي وحذر فرنسي وترحيب عربي وتدخل إسرائيلي سافر ودائم.

بعد جمود دام أشهرعدة تشكلت الحكومة اللبنانية برئاسة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، الذي أفرزته التجاذبات والرؤى الجديدة في الواقع اللبناني فبعد الانقلاب الجنبلاطي إلى الضفة الأخرى من التيار السياسي المسيطر على الساحة اللبنانية وهما تيار ثمانية آذار وأربعة عشر آذار كما يُحب اللبنانيون تسميته، وبعد رفع المملكة العربية السعودية يدها عن بعض الدعم لسعد الحريري وتيار المستقبل، فلقد قفز جنبلاط وهو ثعلب السياسة اللبنانية إلى الجهة التي تملك القوة. لقد لعب وليد جنبلاط دوراً واضحاً بتغيير مفهوم الأغلبية والأقلية فبخروجه من التحالف مع قوى 14 آذار وعودته إلى الأكثرية الجديدة بقيادة حزب الله أصبحت الساحة مفتوحة أمام حزب الله الموالي لإيران وسوريا بالتفرد غير المفرط بالساحة اللبنانية، فمن عادة حزب الله أن لا يسيطر على كل شيء بشكل واضح ولكن بمسميات أخرى فمثلاً لايعنيه أن يكون وزير الاتصالات من تيار حزب الله أومن الموالين له، ولكن المهم أن يكون تحت الإطار الأشمل وهو التحالف سواء كان من الحزب التقدمي الاشتراكي أو منظمة أمل أو التيار الوطني الحر أو تيار المردة أو تيار التوحيد أو جبهة العمل الإسلامي أو رابطة الشغيلة أو تيار التوحيد أو أي تيار صغير.

بعد الإطاحة بحكومة سعد الحريري وإقالته، وتكليف رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة تعسرت هذه الولادة المرتقبة لكي تولد دولة جديدة محكومة كُلياً من قبل حزب الله، ويُمسك حزب الله بجميع مفاصل الدولة من أمور خارجية وداخلية وعسكرية وأمنية ومعلوماتية. فوزير الخارجية عدنان منصور محسوب من حصة حزب الله، ووزير الدفاع فايز غصن عن تيار المردة بقيادة سليمان فرنجية الموالي لحزب الله، وأيضاً وزير الداخلية الجنرال مروان شربل المقرب من الرئيس سليمان والجنرال عون، وهو الحليف المسيحي الرئيسي لحزب الله، وزير الطاقة والاتصالات السلكية واللاسلكية  السيد نقولا الصحناوي وهو من التيار الوطني الحر بقيادة الجنرال ميشيل عون، وهذه الوزارة بالتحديد كانت الهاجس لحزب الله لعدة لسنوات، وكانت الاتصالات السلكية واللاسلكية مطمعا دائماً لحزب الله وتسعى  للسيطرة على هذا المفصل لأن له أبعاد أمنية وعسكرية، خصوصاً خطوط الاتصالات الأرضية التي استخدمها حزب الله في حربه الأخيرة مع إسرائيل في سنة 2006. فكيف لايكون حزب الله هو الدولة إن كان يُمسك بوزارات سيادية كوزارة الدفاع والخارجية والداخليه، ووزارات ذات بُعد استراتيجي كالمالية والاتصالات وأقول استراتيجية نظراً لوجود علامات واضحة على تصعيد من جانب إسرائيل حيال المنطقة وقيامها بمناورات غير مسبوقة وعلى أربعة جهات، والتي أُطلق عليها اسم (نقطة تحوّل 5) ليستمر خمسة أيام بمشاركة جميع دوائر الطوارئ، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية والوزارات ومناورات تُحاكي تعرض إسرائيل لهجوم إلكتروني يطال البنية التحيتة والاتصالات ووحدات الجيش. إن هذه الجدية من قبل إسرائيل وضخامة هذه المناورات لهي دلالة واضحة على أن هنالك شيء ما بالأُفق، فسوريا الحليف الاستراتيجي لحزب الله ترى أن هنالك ذراعاً طويلاً للولايات المتحدة وإسرائيل في تحريك الأحداث في سوريا، و ترى إسرائيل والولايات المتحدة أن استئثار حزب الله وسيطرتها على الدولة اللبنانية بجميع مفاصلها سيكون له أثرة السلبي على المنطقة، وبالتحديد على إسرائيل. نحن على موعد جديد مع تصعيد ومناطق ساخنة في منطقة الشرق الأوسط قد تتضخم لحرب وقائية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة لتشديد قبضتهما على المنطقة قبل تماسك القوى الثلاث ( إيران – سوريا – لبنان الجديدة) خصوصاً مع وجود شرخ في الهلال الشيعي قد يقطع الدعم اللوجيستي لحزب الله والدولة الجديدة. 

 ‏alfadli@hotmail.com

‏http://twitter.com/#!/HassanAlfadli