أقلامهم

بودي يتحدث عن الإمارة الدستورية.. ويؤكد أننا نستنزف تاريخنا وإنجازاتنا السابقة

جاسم بودي

أي إصلاح؟… أي تغيير؟

… وأنا أقرأ بتمعن القرارات الإصلاحية في الأردن والمغرب وفيها اعترافات قوية بوجود خلل وتجاوزات وفساد، تذكرت كلام سمو الشيخ صباح الأحمد يوم كان رئيسا للوزراء عن «الفساد الذي لا تشيله بعارين» في بعض قطاعات الدولة في الكويت، وتذكرت أكثر كيف أن المسؤول في الكويت وقبل أن يصبح أميرا يتدرج في مختلف المسؤوليات ويتلمس بيده لا بيد غيره موطن الخلل ويرى بعينه لا بعين غيره حجم التجاوز. 

عندما كان المسؤول في الكويت يعترف بأن حجم الفساد لا تحمله البعارين كانت أنظمة كثيرة توجه أجهزتها الاعلامية وكوادر الأحزاب الحاكمة ومؤسسات الدولة للتطبيل والتهليل لإنجازات وهمية مصرة على الهروب إلى الأمام بدل الاعتراف بالمشاكل ومواجهتها.

وعندما كان المسؤول في الكويت يطالب بتعاون أعضاء السلطتين ومختلف المسؤولين وهيئات المجتمع المدني والأفراد العاديين لمكافحة الفساد وإعلاء شأن القانون والدستور كانت أنظمة أخرى تعتقل من يطالب بالاصلاح وتعتبره إما خائنا وإما متآمرا… وإما في أفضل الأحوال جاهلا. كانت المكاشفة والمصارحة والاعتراف، وما زالت، جزءا من الخصوصية الكويتية قبل ربيع العرب وثورات الشعوب. فيما كانت العناصر المعاكسة، وما زالت، جزءا من أسلحة أنظمة كثيرة أفسدت المؤسسات والشعوب على حد سواء.

عود على بدء، إلى إصلاحات المغرب والأردن. نظامان ملكيان اعلن ملكاهما الخوض في التعديلات وصولا إلى صيغة دستورية متطورة تعمق المشاركة الشعبية في القرار التنفيذي سواء عبر حكومة منتخبة أو برلمانية وفق ما تقرره الاستفتاءات.

توقفت عند الكويت وقطار الإصلاحات المتوقف في محطات كثيرة. توقفت عند غياب الأحزاب. عند الخلل في النظام الانتخابي. عند الدوائر التي تفرق ولا توحد. عند المناهج التي تقسم ولا تجمع. عند الممارسة التي تكرس كل أنواع المصالح والصفقات والتسويات. عند الخطاب الذي يشجع على تنامي المناخ الطائفي والمذهبي والانقسامي الاجتماعي بشكل عام. 

عند تمترس كل من الحكومة والمجلس خلف ستار من الحزبية الضيقة وكأنهما سلطتان متحاربتان على الدوام. عند التداخل بين السلطات… وقبل ذلك كله عند إرادة التغيير.

نحن الذين سبق الرؤساء مرؤوسيهم في الاعتراف والمكاشفة والصراحة يفترض أننا أكثر الشعوب امتلاكا لأدوات التغيير لا لإرادة التغيير فحسب. لكن شيئا ما يعطل ذلك كله، ولا بد من الاعتراف بأن الإصلاح يحتاج إلى مناخ مستقر لا تتوافر مقوماته حاليا في الكويت.

دستورنا حمل في طياته مبادئ الوصول إلى إمارة دستورية، أوضح أن الديموقراطية تطور نفسها وكان واضحا في الدعوة إلى التعديل بما يتوافق مع متطلبات الحرية والتقدم. فهل يمكن أن تتكاتف جهود الجميع لتثبيت استقرار سياسي يتيح المجال للبدء في نقاش جدي حول إصلاح النظام السياسي والإداري والاقتصادي؟

الجواب بالطبع… لا. فما نراه الآن لا يبشر بأي مؤشرات إلى حصول استقرار سياسي. ونحن هنا لا نتهم طرفا ونبرئ آخر، بل نقول إن مختلف السلطات يغلب عليها الجنوح إلى التصعيد والتمترس خلف مواقعها ومواقفها بدل الالتقاء في ساحة عامة يتم خلالها الاتفاق على رؤية مشتركة للإصلاح والتغيير. إضافة إلى ذلك فالمناخ الحالي لا يسمح سوى بالمزيد من الانقسام، لأنه مناخ اتهامي بامتياز ينصب فيه كثيرون أنفسهم قضاة يصدرون الأحكام ويوزعون شهادات الوطنية أو الكفاءة أو النزاهة. كل سياسي مستفيد حتى يثبت العكس، وكل تاجر سارق حتى يثبت العكس، وكل مبدئي متواطئ حتى يثبت العكس، وكل صريح مخرب حتى يثبت العكس، وكل موقف أو خطوة أو اقتراح لا بد أن تستند إلى خلفية طائفية أو قبلية أو مذهبية أو مناطقية.

ما نعيشه اليوم يأخذ من إنجازاتنا السابقة ولا يضيف إليها، والاستقرار لم يعد حاجة او ضرورة بل هو المدخل الوحيد للإصلاح، ويبدو أن أكثر المطالبين بالتغيير شفاهة هم أكثر مزعزعي الاستقرار ممارسة، وأن ازدواجية شخصيات البعض وتناقض مواقفهم بل ونفاقهم لم تعد تحملها حتى… البعارين.