أقلامهم

محمد المقاطع يقول بأن الهزال الكبير للعمل السياسي في الكويت قد تبدى بوضوح قبل ثماني سنوات

هُزال العمل السياسي! 


محمد عبدالمحسن المقاطع 


 
أصيب العمل السياسي الكويتي منذ فترة تتجاوز ثماني سنوات بهزال كبير، سواء على مستوى قدرة وامكانية ومؤسسية مجلس الأمة أو مجلس الوزراء، فكلاهما لا يملكان الا تصريف الأمور الآنية والتعامل مع الأحداث الوقتية بصورة تتسم بقدرات الهواة وتفتقد الى كل امكانات الاحتراف السياسي، وهو هزال لم يقف عند أشخاص أعضاء السلطتين، بل انعكس على المؤسسات التي تعمل في نطاق كل سلطة من هاتين السلطتين، فالدراسات التي تعد من قبل الأجهزة التابعة لهم لم تعد دراسات رصينة، بل ران على صفحتها حال الاستعجال والاستجابة للاملاءات والطلبات، التي ترد من الأشخاص القائمين على السلطتين، حتى الدراسات الفنية والتخصصية والقانونية صارت فتاوى تصمم على هوى القائمين على هاتين السلطتين ورغبتهم وتوجههم، فخرجت عن وضعها الطبيعي أنها دراسات رصينة ومعتبرة من الناحية الفنية أو التخصصية أو القانونية، ومسؤولية القائمين في الأجهزة والمؤسسات التابعة لهم يشعرون بأن مسؤولياتهم وأدوارهم لم تعد بادارة ما يوكل اليهم من أعمال، بقدر ما هو وجود شكلي أو تبريري لقرارات وتوجهات تتخذ خارج اطار أي مؤسسية في العمل البرلماني أو الحكومي، وتكون مرتبطة بتوجهات الأشخاص القائمين على العمل البرلماني أو الحكومي ومزاجهم وأهوائهم من دون اعتبار لأي عوامل موضوعية أو اجراءات طبيعية معتمدة.
لم يأت هذا الهزال في أداء السلطتين البرلمانية والحكومية من فراغ، انما هو نتاج طبيعي لهزال أصاب الدولة منذ فترة ليست قصيرة جُنّبت فيها مبادئ البناء الوطني للدولة وعوامل التنمية السليمة، فلم يعد الحفاظ على البنية الأساسية لمؤسسات الدولة هدفا، ولا بناء الجوانب القيمية للانسان والمواطن الكويتي هدفا، ولم يعد الحفاظ على الدستور والبنية القانونية في البلد هدفا، ولم يعد احترام مبدأ المشروعية والحفاظ على حدود السلطات الدستورية لكل سلطة من السلطات هدفا، ولم يعد بناء دولة المؤسسات بدلا من الأشخاص هدفا، فضاع في وسط كل ذلك كل أمل لارتقاء العمل السياسي وتقدمه، اذ ان من يفترض به القدرة على القيام بذلك وقيادة زمام الأمور نحوها – وهما السلطتان التشريعية والتنفيذية – لم يعد قادرا على أداء هذا الدور، ولا غرابة في ذلك، ففاقد الشيء لا يعطيه!
كما أن الهزال الذي أصاب البلد لم يأت من فراغ، اذ إن العامل الشعبي والدور الرئيسي للمؤسسات الشعبية والمجتمعية هو الآخر صار هزيلا، فالتجمعات السياسية جميعها – وبلا استثناء – أصبحت تتحكم فيها المصالح الذاتية والضيقة لقياداتها أو لمن يقتنص الفرصة ليتسلق على أكتافها، فصار همها تحقيق المكتسبات الخاصة والمصالح الشخصية وعقد الصفقات والتسويات التي تحقق ذلك، فخلت من كل طروحات وطنية ذات برامج حقيقية، أو رؤية اصلاحية وطروحات ذات أبعاد تنموية وطنية، فانتهت جميعها الى أنها صارت خواء من كل ذلك، وهي لم تعد لا مؤهلة ولا كفؤة لمبادرات أو حتى ترتيبات تحفظ للعمل السياسي ومؤسساته مكانها، فالفساد قد نخر فيها وهو ما انعكس على ضياع دورها الذي أوجد فراغا ألحق هزالا بها أولا وفي البلد – أيضا بالتبعية – لكل ما سبق، أما مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات النفع العام وغيرها فهي الأخرى صارت منتديات للنخبة وملتقيات للأصدقاء لقضاء أوقاتهم خارج منازلهم قضاء لأوقات الفراغ لديهم أكثر من أي أمر آخر، وهكذا صارت التجمعات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني نوادي خاصة للنخب وأصحاب المصالح ولا عزاء للبلد لديهم!
إن أمل الاصلاح – الذي يلاحق حالة التهالك والهزال التي أصابت البلد – صار مطلبا بعيد المنال، لكنه ليس مستحيلا، وهذا يتطلب أن يكون هناك تجديد حقيقي للاعبين السياسيين في البلد على كل المستويات، وهو أمر يحتاج الى انتفاضة من كل غيور على مصلحة البلد قبل أن نصل الى مرحلة الانهيار واللارجعة.
اللهم إني بلغت.