أقلامهم

أحمد الديين ناصحا أسيل وجوهر والغانم بشأن مبادرتهم: الإصلاح يبدأ من تشخيص العلة

الإصلاح يبدأ بتشخيص العلّة!  
 
أحمد الديين
 
مع التقدير للمحاولة التي أعلنت عنها عضو مجلس الأمة الدكتورة أسيل العوضي في شأن الجهود التي تبذلها مع زميليها النائبين الدكتور حسن جوهر ومرزوق الغانم لصياغة “مبادرة إصلاحية بروح إيجابية” وما تأمله في تصريحها الصحافي المنشور أمس بأن تكون هذه المبادرة “خارطة عمل تشريعية لدور الانعقاد المقبل لمجلس الأمة وعدم الاكتفاء برد الفعل والتعيّش على أخطاء الحكومة” فإنّ أي مبادرة إصلاحية لن تكون ذات معنى وأثر إذا اقتصرت على الجانب التشريعي وحده، أو عندما تنحصر مثل هذه المبادرة في نطاق مشكلات العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتكتفي باقتراح سبل تحسين مستوى أدائهما، ذلك أنّ ما برز على السطح من قصور وما طغى من سلبيات صارخة في العمل الحكومي والممارسات النيابية، إنما هي على خطورتها وسوئها مجرد مظاهر وأعراض لعلّة أكبر في الحياة السياسية الكويتية!
إنّ العلّة الرئيسية في حياتنا السياسية تتمثّل في استمرار التناقض القائم غير المحسوم تاريخيا بين المشيخة كنهج سلطوي مسيطر وبين متطلبات التطور الديمقراطي وإنجاز مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة… فهذا التناقض بين المشيخة والدولة الحديثة هو الذي أدّى إلى تراجع مشروع بنائها، وهو الذي قاد إلى إفراغ دستور 1962 من محتواه الديمقراطي المحدود، وهو سبب محاولات الانقضاض المتكررة عليه وتعطيله أكثر من مرة، وإعاقة تطوير “دستور الحدّ الأدنى” وعرقلة استحقاق الانتقال إلى النظام البرلماني… ومن نتائج استمرار هذا التناقض غير المحسوم بين النهج السلطوي والنهج الديمقراطي ما شهدناه ونشهده من احتكار متواصل للمناصب الرئيسية في الحكومة ومن انتقاص مكشوف للدور الحقيقي  المفترض لمجلس الوزراء كسلطة دستورية مقررة للسياسة العامة للدولة وتحويله إلى مجرد جهاز تنفيذي تابع؛ وما ترتب على ذلك من معايير بائسة في التوزير أدّت إلى استبعاد رجال الدولة وتراجع دور الوزراء من شركاء في القرار السياسي إلى مجرد موظفين كبار مسؤولين عن العمل في حدود وزاراتهم، وهذا ما قاد إلى سوء الإدارة السياسية للدولة؛ وتخبّط العمل الحكومي؛ وتدني مستوى أدائه وافتضاح مظاهر عجزه عن القيام بأبسط مسؤوليات إدارة البلاد… وإلى هذا التناقض بين المشيخة ومتطلبات التطور الديمقراطي للدولة الحديثة تعزى الأسباب الحقيقية إلى ما تعرّضت وتتعرّض له العملية الانتخابية من عبث وتخريب وشراء ذمم و”مرشحي ونواب خدمات” واستقطابات طائفية وقبلية وإساءة اختيار، وإليه كذلك يعود ما تعرّض ويتعرّض له العمل البرلماني من إفساد منهجي للنواب وشراء مبرمج للولاءات وممارسات منحرفة مقصودة؛ وإهدار متكرر للمبادئ البرلمانية؛ وتعطيل متعمّد للرقابة المسؤولة؛ وعرقلة انتقائية لتطبيق بعض التشريعات الإصلاحية التي أقرّها مجلس الأمة ضمن ظروف معينة؛ وانتهاك مشهود لسيادة القانون وعدم احترام تطبيقه… وبالإضافة ما سبق فإنّ استمرار هذا التناقض من دون حسم بين النهج السلطوي للمشيخة وبين متطلبات التطور الديمقراطي وبناء الدولة الكويتية الحديثة هو الذي حال دون وجود تنظيم قانوني لحياة حزبية سليمة في البلاد وذلك بما يضمن للطرف السلطوي إبقاء العمل السياسي في حدوده الدنيا، بما في ذلك الانتخابات والممارسات النيابية التي يحرص الطرف السلطوي على استمرارها في نطاقاتها الفردية القاصرة ومحدودة التأثير… وهذا هو السبب أيضا في استمرار الوصاية الحكومية على مؤسسات المجتمع المدني، ومحاولة تهميش التيار الإصلاحي في المجتمع الكويتي وإضعافه وفي المقابل تشجيع قوى التخلّف وتمكين قوى الفساد.
إنّ الخلل السياسي في الكويت أكبر من أن ينحصر في بعض مظاهره المرضية وأعراضه المستفحلة، وبالتأكيد فإنّ معالجته تتطلب عدم الاكتفاء بالنظر إلى هذه المظاهر والأعراض، وإنما لابد من تشخيص العلّة الرئيسية في حياتنا السياسية… أما الخطوة الأولى على طريق الإصلاح فلا يمكن أن تبدأ ما لم يتم حسم التناقض المتفاقم بين النهج السلطوي للمشيخة وعقليتها وبين مشروع بناء الدولة الحديثة وتطورها الديمقراطي، فهذه هي المبادرة الإصلاحية المستحقة، مع الاحترام لأي “مبادرات إصلاحية” مقترحة بما فيها مشروع مبادرة النائبة الدكتورة أسيل وزميليها.