أقلامهم

جاسم بودي يقول: البنات والجامعة باب صغير يؤدي الى فناء كبير

البنات والجامعة


جاسم بودي


ليس عنوانا لفيلم أو مسرحية بل مضمون لمشكلة اجتماعية قد تتفرع عنها مشاكل كثيرة رغم اعتقاد البعض أن المسألة برمتها لا تستحق التوقف عندها.
«البنات والجامعة» باب صغير يؤدي إلى فناء كبير يمكنك أن تتلمس فيه كل أنواع التمييز والفرقة والتحسر والمشاعر المتناقضة والضغوط النفسية. فيما المتعارف عليه دوليا أن المؤسسات العلمية والاكاديمية صممت لتكون النقيض الكامل لكل الصفات التي وردت.
باختصار، ونتيجة لمفاهيم اجتماعية غريبة قائمة على ثقافة الاستهلاك والمظاهر التي تعيش بين الكويتيين، تتعرض الطالبة في الجامعة إلى ضغوط أخرى لا علاقة لها بالجد والاجتهاد والتحصيل العلمي. يقال لي، وانا أب وجد، إن بعض البنات يدخلن الى الحرم الجامعي وهن يفكرن قبل كل شيء ماذا ستكون نظرة الطلبة إلى ثيابهن أو حقائبهن أو سياراتهن أو مختلف الاكسسوارات التي يستخدمنها. يغذي ذلك وجود سلوك عام لدى قسم كبير من الطلبة قوامه التباري في البذخ والانفاق على الثياب والسيارات، ما يؤدي أيضا الى تشكيل شللية ومجموعات تمتلك التوجه نفسه من جهة وعزل مجموعات أخرى لا تستطيع أن تجاري نظيراتها في «الشوبنغ» ولا يمتلك أولياء أمور أفرادها القدرة على صرف ما يصرفه الآخرون.
يقال لي ايضا إن ظلم الرفاق أشد مضاضة من ضيق ذات اليد، فالتفاوت الطبقي موجود في كل العالم انما التباهي الدائم وخلق تمايز وتفرقة يصيب الآخرين بالاحباط خصوصا أننا للاسف الشديد نعيش في مجتمع قائم على المظاهر. ولنكن صريحين فليس كل طالبة قادرة على الرد على هؤلاء «التافهين» بجرأة قوامها قوة الشخصية والثقة بالنفس، وليس كل طالبة قادرة على ان تتفلت من حالة «التمييز الوهمي» بالشكليات ان جاز التعبير وتفرض شخصيتها وحضورها بالمقومات الاساسية وهي الاخلاق والعلم والحضور الاجتماعي اللطيف والاكاديمي المميز.
يقال لي أيضا وأيضا، إن طالبات يركنّ سياراتهن في مواقف بعيدة عن الجامعة لانها ليست من النوع الباهظ الثمن، ويسرن شبه متلثمات خوفا من ان يكشف احد «تواضع» وسيلة النقل التي حملتها من المنزل الى الجامعة. ويقال ان جزءا كبيرا من نقاشات بعض الطالبات مع اهاليهن هو كيفية زيادة المخصصات المالية لهن على حساب اشياء اخرى ضرورية للمنزل حتى لا تذهب الطالبة الى الجامعة بحقيبة يد ليست «ماركة» أو بحقيبة واحدة «ماركة» أو بساعة عادية. وتتحدث طالبات عن حواجز تفصل بينهن وبين صداقة الآخرين بسبب المنظر والمظهر، وانهن يخجلن من الإقدام على التعاون مع الآخرين في اطار مجموعات عمل اكاديمية نتيجة شعورهن بانهن غير مقبولات أو أن تعاونهن غير مرحب به. يتحدث صديق، ان ابنته رجته ان يكمل لها تعليمها في الخارج لانها لم تعد تستطيع الاستمرار في الجامعة… ويقسم انه عندما حقق لها رغبتها اكتشف ان التعليم في الخارج أوفر له ماليا من التعليم في الداخل.
وما يزيد السوء سوءا، ان اللواتي يغيرن حقائبهن الباهظة الثمن وسياراتهن الفارهة وثيابهن «الماركات» ثلاث مرات في اليوم يقضين الوقت في الحديث عن الجديد والغالي ويحملن كتالوغات الموضة أكثر من مقررات الدراسة، ولا يساعدن إلا في توسيع الهوة بينهن وبين رفيقاتهن.
غالبية طالباتنا ولله الحمد محافظات يملكن مستويات عليا من الاخلاق والالتزام بالقيم، لكن استمرار هذه الظواهر الاجتماعية السلبية يولد في حدوده الدنيا بالنسبة الى البعض تشتيتا للانتباه وعدم التركيز على الدراسة والتفوق، ويولد في حدوده العليا ظواهر سلبية قائمة على اللحاق بهذه الشكليات والسخافات مهما كانت الاثمان… والاثمان قد تكون كابوسا حقيقيا.
في الغرب الذي نستورد منه السيارات الفارهة والملابس الفاخرة، لا توجد هذه العقد والتفاهات والسخافات. ليس من الناحية القانونية فحسب وانما نتيجة الوعي الثقافي والاجتماعي للطلاب. ففي بعض الجامعات لباس مقرر وان لم يكن كذلك فثياب عادية جدا ووجوه بلا ماكياج ووسائل نقل جماعية او بسيطة. الطالبة في جامعة اكسفورد البريطانية التاريخية العريقة إما تسير على قدميها وإما تتنقل على دراجة هوائية. ليس لان رفاقها يفعلون الشيء نفسه وقبلهم الاساتذة بل لان المطلوب هو التركيز في الجهد الاكاديمي والتحصيل العلمي فقط، على رغم الحالة المالية الميسورة جدا لغالبية منتسبي هذه الجامعة، أما الطالبة المبالغة في تبرجها وثيابها وسيارتها فان لم تمنع من دخول الصف بموجب قرار اداري فانها ستكون مثار تندر الغالبية التي ترى في مبالغتها دلالة على السخف والتخلف.
«البنات والجامعة» موضوع لا يحله مقال لانه متشعب من الجامعة الى صلب السلوكيات الاجتماعية، انما يمكن في عجالة القول ان القضية تحتاج تحركا من ادارة الجامعة لتنظيم ما يمكن تنظيمه في هذا الاطار، وتحتاج اكثر الى مبادرة من مجموعة من الطلاب والطالبات ميسوري الحال لردم الهوة مع زملائهم عبر التخفيف ما أمكن من المظاهر واعلاء شأن التحصيل والمتابعة والدراسة وتشكيل مجموعات عمل اكاديمية وصداقات انسانية وعلاقات اجتماعية قائمة على العقول والقلوب والعطاء والعلم وليس على الاصل والفصل والنسب والثياب والسيارات و«الماركات».