أقلامهم

مقال ساخن
محمد عبدالقادر يوجه رسالة إلى صاحب السمو

محمد عبدالقادر الجاسم  


لا خير فينا إن لم نقلها   


صاحب السمو أمير البلاد حفظكم الله ووضع على دروب الصواب قرارتكم، في عصر أحد الأيام، في شهر سبتمبر من العام الفائت، أي قبل حبسي الأخير، كنت أقود السيارة على الطريق السريع متجه جنوبا. ومن عادتي أثناء قيادة السيارة أن أستمع إلى القرآن الكريم، وقد فكرت مليا في الآية التي يقول الحق تبارك وتعالى فيها (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).. فكرت فيها وقارنتها بالعبارة التي تنسب إلى الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو في كتابه “روح الشرائع” الذي أصدره في العام 1748 وهي عبارة “السلطة تحد السلطة” والتي غدت أصلا من أصول النظام الديمقراطي والفصل بين السلطات. دفعتني هذه المقارنة إلى قراءة تفسير الآية الكريمة، فتشكلت لدي نواة بحث في القرآن الكريم لاستنباط ما أطلقت عليه مؤقتا وصف “المبادئ الدستورية” في القرآن. في شهر نوفمبر أصدرت إحدى المحاكم حكما بحبسي لمدة سنة في واحدة من القضايا التي رفعها ضدي رئيس مجلس الوزراء.. دخلت السجن وأنا أفكر في استكمال بحثي في القرآن. صباح اليوم التالي لسجني طلبت من إدارة السجن تزويدي بمصحف ودفتر وقلم، وفيما بعد طلبت طاولة وكرسي. مكثت في السجن العمومي نحو 64 يوما، قرأت القرآن خلالها نحو 7 مرات واستخلصت 16 مبدأ “دستوري”. ولأنه لا تتوفر في السجن طاولة يمكن استخدامها للكتابة، فقد كنت أجلس على السرير، الذي هو عبارة عن “صبة كونكريت” عليها “فراش أسفنج”، لساعات عدة أقرأ وأكتب، مما أدى إلى تفاقم حالة “ديسك” الرقبة التي أعاني منها. على كل حال، بعد خروجي من السجن في نهاية شهر يناير، قررت مواصلة البحث، وتصادف أنني قررت التفرغ للبحث الأسبوع الماضي، فاشتريت بعض الكتب وأضفتها للكتب الموجودة في مكتبتي المنزلية وعزلت نفسي وشرعت في القراءة. ومما زادني بهجة ما بدا لي، من خلال القراءة، أن موضوع البحث ربما يكون غير مسبوق، فازداد حماسي للبحث وسرحت بفكرة ترجمته إلى أكثر من لغة، حتى بلغني يوم الأربعاء ليلا خبر عزم (الحكومة) رفع قضية أمن دولة جديدة ضدي، فتوقفت عن القراءة ووضعت كتبي في “كراتيني” وانشغل البال، مع الأسف، فيما لا طائل منه. 


أتحدث إلى سموكم اليوم مباشرة عبر موقعي هذا الذي قررت (الحكومة) حجبه كي لا يقرأ الناس ما أكتب اعتبارا من يوم الأحد القادم، وبالتالي فقد يكون هذا آخر مقال ينشر في موقع “ميزان” الذي تأسس قبل ما يزيد على ستة أعوام. كما أنني أتحدث إلى سموكم قبل تقديم (الحكومة) بلاغا جديدا ضدي إلى النيابة العامة تتهمني فيه بالمساس بكم وبمسند الإمارة في المقال المنشور هنا بعنوان “شيخ طروادة”. 


صاحب السمو أمير البلاد.. سعيت إلى اللقاء بكم أكثر من مرة، ولست واثقا مما إذا كان طلبي بلقاء سموكم قد نقل إليكم فعلا أم تم حجبه، فهناك أطراف عدة، ممن يضعون رجل في الديوان الأميري وأخرى في مجلس الوزراء، تخشى من نتائج دخولي على سموكم.. أطراف لا عمل لها سوى التحريض والفتنة.


لا أكتب إليكم استدرارا لعطفكم.. وإن كان لدي طلب بسيط من سموكم سوف أورده في نهاية المقال.. أكتب إليكم بقلب وعقل لا يخالطهما نوازع أو رغبات شخصية إطلاقا.. أكتب إليكم وأنا أعد عدتي لدخول السجن للمرة الرابعة في عهدكم.. أكتب إليكم بصفتي مواطنا وبصفتكم رئيسا للدولة.. أكتب إليكم تحت مظلة قاعدة ملزمة لي شخصيا تقول “لا خير فينا إن لم نقلها “.. أكتب إليكم من باب أداء أمانة المواطنة الصالحة بإذن الله.. واختصارا، فإن ما أريد قوله، من دون الدخول في التفاصيل، هو: سواء كتبت أنا أم لم أكتب، أوضاع الكويت سيئة للغاية في حاضرنا يا صاحب السمو.. سوء ينبئ بمستقبل كئيب لنا كشعب.. ولكم كأسرة.


صاحب السمو.. يزعم كبار المسؤولين، وأعني رئيس مجلس الوزراء تحديدا، أن ملاحقتي وحبسي إنما يأتيان بناء على تعليمات الديوان الأميري، وأنهم ملزمون بتنفيذها، وأنا لا أصدق زعمهم هذا لأنهم أصحاب مصلحة يحتمون بمقام سموكم تجنبا للمساءلة والنقد وتنفيذا لأجنداتهم الخاصة.


وأيا كان الموقف، فلا جدوى من الملاحقة السياسية ولا حبسي ولا حجب موقعي، والمسألة “خصومة شخصية” وانتقام ممن يرعى منهج الملاحقات السياسية، ويبدو أن حبسي يدخل البهجة والسرور في فؤاد من يلاحقني. أربع قضايا أمن دولة.. حجز.. حبس احتياطي.. حبس بحكم محكمة.. ملاحقة ومتابعة ورصد وتلصص.. تشهير وإساءة سمعة.. إحراج للقضاء.. هل أنا خطر على أمن بلادي الكويت إلى هذه الدرجة، أم أن أمن الدولة هزيل إلى هذه الدرجة؟ هل تسعى الحكومة إلى السيطرة على الإنترنت من خلالي فتكون البداية حجب موقعي مقرونا بقضية أمن دولة؟


المقال الأخير لا يتضمن أي مساس بمقاكم السامي.. بل أنني لم آت على ذكركم إطلاقا، فكيف يتهمونني بالمساس بالذات الأميرية؟! كيف يجرأون على إقحام مقامكم السامي في مكائدهم وخصوماتهم بلا رادع يردعهم؟! إن استمرار ملاحقتي وتوجيه اتهامات باطلة ضدي أمر يسيئ لسمعة الكويت وسمعة أسرة الصباح ولا يضرني في شيئ.. بل أنني، من غير قصد، أكسب تعاطف الناس وأكسب قراء جدد من خارج الكويت. ترى، هل هناك من يريد إيصال رسالة للشباب، من خلال ملاحقتي وتكرار حبسي، من أجل تخويفهم من مصير شبيه ينتظرهم؟ يا سيدي الكريم، إذا كان يقال أنني أعبر عن رأيي من دون قيود، فهذا من الماضي لأنني لم أعد أتمكن من اللحاق بما يكتبه الشباب في “التويتر”.. فإذا كنت قد رفعت سقف حرية التعبير، كما يقال، فإن الشباب أزالوا كل الحواجز السياسية المتبقية على نحو لا أستطيع أنا مجاراتهم!


سيدي.. باختصار شديد، لست أرى أي مصلحة لأي طرف من استمرار ملاحقتي.


جاء الآن دور بيان الطلب البسيط الذي أتمنى من سموكم تكريمي بالموافقة عليه.. في حال نجح رئيس مجلس الوزراء في حبسي مجددا خلال الأيام القادمة، فإن الحبس سوف يكون فرصة مثالية لي لاستكمال بحثي في القرآن الكريم. ولأن إدخال الكتب إلى السجن ممنوع، فإنني أتمنى من سموكم إصدار تعليماتكم للسماح لي بإدخال عدد من الكتب ذات الصلة بالبحث كي أتمكن من التفرغ لإنجازه. إن طلبي هذا مهم جدا بالنسبة لي وأنا جاد فيه وهو كل ما أريده من سموكم.. أطلبه من سموكم لأن الربط بين حبسي والديوان الأميري يجعل الاستجابة لطلبي من قبل إدارة السجن لاحقا بالغ التعقيد ويحتاج إلى قرار سياسي!


وتقبل يا صاحب السمو تحياتي وتقديري>