كتاب سبر

كيف ندخل أولاً..!!؟

_في الخليج ما أصعب أن تعيش في هذا الزمان !!

_ في الخليج !!…. لا يا سيدي الذي يحدث في الخليج أنك تعيش خارج الزمان ولا يُسمح لك أصلاً بعبور بوابة الزمان والدخول لدائرة العصر. فالزمان فضاء واسع وأن تعيش فيه يعني أن يصبح لك وجود و حيز عبر المشاركه و التأثير.. ودخولك في زمنٍ ما يعني أن أيضاً أن لك مكاناً فيهِ و تأثيراًبهِ.. ورحم الله الدكتور عبدالرحمن بدوي وهو يشرح هذا كله في رسالته “الزمان الوجودي”، ويصرخ في كل حرف أن الزمن هو حركة الأفراد والوجود، هو حريتهم مبيناً أن عبارة “يضيق الزمان و يتسع” تعني أن تقل حركة الأفراد أو تزيد و أن وجود الفرد يتحقق أو ينعدم بوجود الحرية أو انعدامها..

فيكون السؤال الصحيح في الحالة الخليجية هو كيف ندخل إلى الزمان أولاً؟.. ثم ننشغل بصعوبة العيش فيه لاحقاً..

أتجول بناظري بين بنود إعلان باريس لحقوق الإنسان، و أستعرض غياب أغلب بنوده عن الواقع الخليجي. لا شك أننا خارج الزمان حتى نُغيب لهذه الدرجة، وأن ما يُشبهنا حقاً في الخليج ليس إعلان باريس بل اتفاقية جنيف لحقوق الأسرى. حيث الطعام و الشراب و المأوى وهي غير كافية لقطع تذكرة والدخول إلى الزمان، وهذه النتيجة لا ينبغي لها أن تُدهش أحداً لأن غياب المشاركة السياسية لا يمكن أن يقابله حضور لحقوق الإنسان حتى لو كان النظام يتبع المثال التشيلي وقت الرئيس بينوشيه، و القائم على الرخاء الإقتصادي النسبي مقابل القمع المطلق. ولا أدري أيُ رخاءٍ اقتصادي ذاك العاجز عن طبع بطاقة انتخاب واحدة يجد فيها المواطن حقه في الإختيار والمشاركة والإحساس بالذات والإنتماء لوطنٍ يستدعيه دوماً و يستشيره و يحترم رأيه و بالتالي يحترم حقوقه كإنسان.

الدكتور حاكم المطيري في بداية سلسلة “عبيد بلا أغلال” يطرح الغائب الحاضر في العلاقة بين المواطن في الخليج والسلطة متسائلاً :”لماذا قامت العلاقة على أساس التبعية للحاكم لا على أساس المواطنة للدولة؟؟”.. والدكتور حاكم يُعزي هذا الخلل في العلاقة لغياب ما أسماه “الإرث المقاوم” عن الهوية الخليجية ولا أعتقد أنه هُنا يُلقي باللائمة على من هُم بالمقابر غير أنه يستمر بنقد الواقع مُطلقاً وصف “الهنود السُمُر” على من ارتضوا هذه العلاقة في إيحاء تاريخي و إن كان قاسياً إلا أنه لا يخلوا من الصحة.

الأوضاع و إن كانت نسبية بين دول الخليج فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات العامة، إلا أننا يجب أن نعرف أن “الزمان” هنا كأنه حفل لأبناء الذوات لا يدخله إلا من كان زيهُ كاملاً وأنيقاً، و نحن لا زلنا بعيدين عن الحفل… بعيدين عن الفرح… لازلنا عُراة…

و على القِلة المستفيدة من هذا المنظر المُخجل لأبناء الخليج في المشهد الإنساني أن تتصفح كتاب “الهويات القاتلة” للروائي أمين معلوف لتتأمل هذه العبارة “في بعض الأحيان تبرز التغيرات بسرعة فائقة وتكون ذهنياتنا متخلفةً عنها لنجد أنفسنا فجأةً نكافح النيران بمواد قابلة للاشتعال.