أقلامهم

خلود الخميس تحكي قصتها مع خمسيني بعيون عشرينية وملابس ثلاثينية

خلود عبدالله الخميس 

جورج V

..ويُسمى «جورج سانك»، ومعناها جورج الخامس، وهو فندق باريسي كنتُ أقرأ في ردهته المسودة النهائية لروايتي «امرأة وظلان» قبل اعتمادها للطباعة، وأنا اتنقل بنظري بين اللوحات الكلاسيكية المعلقة على الحيطان، رأيته، يجلس مقابل أريكتي في ممر المقهى المستطيل، كان خمسيني المرحلة، عشريني النظرات، ثلاثيني الملبس، وهذا ما لحظته بلمح الفضول المرافق للكاتب أينما حل!

رغم انهماكي، فإنه نجح في اختراق عزلتي بإرساله نظرات معنْونة بإلحاح الاستفسارات، وكنتُ أتجاهله، لا يهم، هذه الأمور تحدث مع أي امرأة تجلس لوحدها، يكفي التجاهل، وفي التغافل منجاة، وعدتُ لمسودتي وإبريق الشاي!

في حال المراجعة النهائية والمرتبطة بمواعيد نهائية، الكاتب ينفصل عن الكون، ولا يفهم ولا يرى ولا يسمع إلا ما يقرأ، هذه إحدى صفاتنا الغبية، ويظنها البعض قدرة وتميزا، بل هو توحد وغوص للداخل ابتعادا عن الخارج، وكثيرا ما نعْـلق في داخلنا ونغلق الباب علينا، وننسى أنه لا مقبض له من الداخل، فيأتي من يقفل المفتاح من الخارج، ويأخذه معه ويمضي! فنُحبس حتى حين!

طرق أذني «الجارسون»، ولكن تبيّـن أنه (أخينا) يلقي السلام بالفرنسية! ترددتُ هل أرد أم أتغابى، وهو دور تجيده المرأة، قد يعتبره إذنا للحديث، وليس لدي وقتٌ لاستكشافه، لكنه فسّر صمتي عدم فهم، فكرر السلام بالعربية! قلتُ «أهلا» لن تضر أحدا، بل «أهلا» هذه، جرّت بعدها حكايته!

ليس لدي حساسية ضد الأغراب، عكس الناس، لا أخاف إذا كنتُ محاطة بمن لا أعرف، وأندمج مع الجميع باختلاف أطباعهم، لا أدري هل تلك حسنة أم سيئة، ولكن فيها من الاثنين على قدر يحميني، ولا يثنيني!

بما أني عربية اللسان انطلق وكأنه سيدة ثرثارة، رغم استخدامي حجة النساء المكشوفة لإرهاب أي رجل، عندما سألني تسمحين لي بالجلوس؟ قلت «حتى يأتي زوجي»! وطبعاً لم يأت. أحد! نكذب ولا نستحي، ولا تطرف لنا عين! ونكرر الكذبة ذاتها، والآخر يعلم أننا نكذب، ويمثل أنه صدّق وهكذا!

طلب «الشوكولاتة أوليه» وبدأ البوح، بينما كنتُ الرجل في هذا المشهد! متململة انظر الى الوقت لألحق بموعد التسليم، وابتسم كأنّ ما يقول يهمني حتى جاء السؤال «لماذا تضعين الحجاب»؟ هذا السؤال لا إجابة عنه لدّي س.وى أنه «سمعنا وأطعنا»، ولكن قلت «أنا مسلمة واعتبره الركن السادس للمرأة» شعر بقلقي من السؤال، قلتُ لكم لقد كان هو المرأة التي تتحسس المشاعر، وأنا الرجل المختص.ر اللامبالي!

فجادلني معارضا حجابي، وقدح بالفكرة وبأسبابها وبظلمها، وأنها عاملت المرأة كجسد فسجنته! وأن الفروض نُصّتْ صراحة، وكنت أرشف الشاي وابتسم وأقول لنفسي «الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه»!

ثم يعدّل جلسته ويتساءل بصوته الطيب «لم تغطي امرأة جمالها؟»، وسيل اسئلة، وكنتُ حزينة عليه، وأقول «أسأل الله العافية» هناك من لم ينفعهم نقل ولا عقل، والهداية نعمة!

بعد أن نكّر الحجاب ومسح بالمحجبات البلاط والحوائط والسقف! طلبتُه أن يسمعني بلا مقاطعة، كما فعلتُ وهو يتكلم، ودحضتُ كل شبهاته بأدلة شرعية لا يشوبها شك، فقام وتركني بلا «باردونيه موا»!

ثم عاد بفتاة صغيرة، وأجلسها إلى طاولتي، وبكل أدب وابتسامة، قال «أعيدي مرافعتك عن الحجاب لها! هي لا تصدقني أنه فرض على المسلمات»! ابنته، يريدها أن تتحجب، وهي رافضة!

«عبط» الأنثى ظنه «يتحرّش»!

أرأيتم؟ إن بعض الظن إثم!