أقلامهم

محمد مساعد الدوسري يرى أن مقدمات السيطرة على تويتر وفيسبوك أمرا طبيعيا بعد أن سيطر الفساد على ساحات الحرية في الإعلام الكويتي

محاكم التفتيش تصل إلى «تويتر»!  
 
محمد مساعد الدوسري
 
بعد أن استطاعت مؤسسات الفساد السيطرة على كل ساحات الحرية في الإعلام الكويتي، ها هي تتجه إلى آخر تلك الساحات، وهي مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها “تويتر”، فنسمع عن مطاردات قانونية، تهدف في المقام الأول إلى إيقاف ألسنة الحق من النطق، وإرهاب كل من يكشف الفساد والمفسدين في كويتنا المختطفة من قبلهم، وهذا لعمري لن يكون ولن يتحقق في عهد الفضاء المفتوح، وفي زمن الثورات العربية التي لم تصل لاقتلاع هذا الفساد في بلادنا بعد.
بالطبع، فإن هذه الساحة قد شابها ما شاب العديد من وسائل الإعلام الأخرى من وجود أنواع من البشر، تشتهر بأسلوب الشتائم والبذاءات، وقد قامت الأجهزة الأمنية بإحالة بعضهم إلى التحقيق، بعد أن قاموا بشتم رؤساء الدول الخليجية، والمس بالصحابة رضوان الله عليهم وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك فإن حملة التفتيش التي يقوم بها البعض هذه الأيام، تأتي لتخفف من الخسائر النفسية بعد أن توحدت كل الآراء على فداحة تحويل بعض مواقع التواصل الاجتماعي إلى منبر آخر من منابر الشتم والسب، ضمن جوقة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة التي امتهنت هذا العمل.
إن أهمية هذه الوسائل الالكترونية الجديدة في كشف الفساد، هو السبب الوحيد لتوجه محاكم التفتيش إليها، ومحاولة عرقلة تحولها إلى ساحة لمحاربة الفساد وتسمية المفسدين، بل وحشد الجماهير حول القضايا المهمة التي لا تجد من يثيرها أو يتطرق إليها كما هو معروف في الصحافة المطبوعة والمرئية، ولعل إثارة قضية السعار الذي أصاب شركات الإنترنت ورفع أسعار الاشتراكات، كانت إحدى هذه القضايا التي لولا هذه المواقع الألكترونية، لما وجدت اهتماما، أو بالأحرى لقامت وسائل الإعلام المملوكة من قبل التجار بتجاهلها، لأنهم هم المالكون في الحالتين لهذه المؤسسات الإعلامية والتجارية.
الغريب في كل ما سبق، هو صمت مُدعي الوطنية ممن تعودوا على الظهور بمظهر المدافعين عن الحريات والحقوق، فتجدهم صامتين صمت القبور خلال هذه الأيام التي يهدد بها البعض باستهداف المغردين في “تويتر”، وكأن الحريات موقف شخصي لا يتناسب إلا مع ما يراه، لا ما يؤمن به الجميع، فإذا كانت الحريات مستهدفة من خلال مطاردة المغردين، فما هو الذي يمنع تجار الوطنية من التصريح واستنكار مثل هذه المطاردة والعمل على وقفها، أعتقد أن لهذا سببا يجب شرحه.
من أكثر المتضررين خلال الفترة الأخيرة من “تويتر”، كانوا أعضاء كتلة العمل الوطني، بعد أن تكشفت حقيقتهم أمام الرأي العام، إثر السيل الغزير من المعلومات والمواقف الواضحة والجلية التي كشفت من المغردين، وبعد أن وجدت هذه الحملة عليهم صدا واسعا من قبل الجماهير، علما أنهم يمتلكون وسائل الإعلام التقليدية، إلا أنها لم تعد تملك تأثيرا كما كان لها في السابق، رغم محاولاتهم للحد من خسائرهم بعد عقدهم للصفقات مع الحكومة الحالية على إثر استجوابه، وعلى ذلك فإن مسألة الدفاع عن الحريات في “تويتر” خلال هذه الأيام لا يهمهم كثيرا، فهي ساحة حرب بالنسبة لهم، ولم يحققوا من خلالها إلا الخسائر في الآونة الأخيرة.
مخجل أن يقوم بعض النواب بالدخول إلى تويتر للحظات معدودة ليصرح ثم يلوذ هاربا مفضلا عدم الإجابة على أسئلة المغردين المنطقية، بعدما كان يسهر معهم الليالي في حوارات سياسية، وغريب أن يغادر البعض الآخر بعد أن فقد كل حيائه السياسي نتيجة لانكشاف أوراقه، ومتوقع أن يذهب الآخرون قريبا، إلا من وثق بهم الشارع واحتضنهم بعد تحملهم لكل الانتقادات في “تويتر”، ومنهم النواب فيصل المسلم وجمعان الحربش ووليد الطبطبائي، فهؤلاء لايخشون من المواجهة، بينما آثر البقية الهروب أو التزام الصمت.
عود على بدء، إن الهدف من حملات التفتيش الجديدة التي يقوم بها البعض في “تويتر”، ومطاردة المغردين، هي محاولة لإيقاف آخر ساحات الحرية التي تضررت منها الحكومة ومن يدور في فلكها، بعد أن سيطرت على تيارات سياسية كانت تدعي الوطنية، وأخرى كشفت عن خضوعها وتحالفها مع الحكومة مبكرا، وبعد أن استطاعت الحكومة تنفيذ حلمها بإحكام قبضتها على عدد هائل من المؤسسات الإعلامية، معتقدة بذلك أنها تستطيع إملاء سياساتها الفاشلة وتحويل المشهد من انتقاد أدائها، إلى السباحة في ملكوت أربابها، وهذا هو السبب الأكيد لتهديد المغردين.