أقلامهم

حسن جوهر يكتب عن البقرة السعيدة في الكويت التي تتمتع بامتيازات لايتمتع بها المواطن العادي

البقرة السعيدة

د.حسن عبدالله جوهر 

نحن في الكويت لا نعبد البقر كما في بعض الديانات التي تكن لهذا الحيوان أعلى درجات القدسية والاحترام، ولكن يبدو أن حظ البقرة في الكويت فيما تحظى بمزايا مادية ومعنوية قد يفوق المواطن الكويتي الذي يغرق بنسبة تتجاوز الـ85% في الديون، وقد يعيش نصف عمره يدفع الإيجارات بانتظار السكن الحكومي، وينتظر سنوات إلى حين الحصول على وظيفة، ويضطر حتى للعلاج والتعليم أن يصرف من جيبه بسبب تدهور الخدمات الحكومية في الكثير من المجالات.

وقصة البقرة الكويتية هذه ليست من وحي الخيال أو أنها نكتة موسمية أو قضية يراد منها السخرية، ولكنها واقع حقيقي وقائم على بيانات رسمية معتمدة.

فالبقرة في الكويت تتمتع بسكن مجاني طول العمر وبيتها لا يخضع للانتظار ومساحته ليست 400 متر مربع، لكنه بعشرات الآلاف من الأمتار، كما أن غرفَه مكيفة بالكامل والكهرباء فيه بالمجان.

وسعادة البقرة الكويتية لا تتوقف عند هذا الحد، فالعلف المقدم لها بالمجان، والماء كذلك مدعوم في مقابل أن المواطن قد حصل على بعض الأصناف من المواد الغذائية ولمدة سنتين قبل عدة شهور فقط.

وبالإضافة إلى ذلك فالبقرة يصرف لها بدل رضاعة لعجولها حديثي الولادة، وحتى سن الفطام، ومقابل كل لتر حليب لرضاعة أولادها تحصل على دعم وقدره 60 دينارا كويتيا، أما الأم الكويتية فقد قامت القيامة لإعطائها إجازة وضع وأمومة لمدة ستة شهور فقط.

أما علاوة الأولاد فيتم صرف مبلغ 150 دينارا لكل عجل جديد مقابل 50 دينارا للطفل الكويتي، وبدون حد أقصى والمحدد بسبعة أولاد!

والبقرة في كل الأحوال مخلوق رباني، واللهم لا حسد على وضعها المميز، ولكن السؤال المنطقي لماذا كل هذه المزايا لهذا الحيوان؟ وما المنافع التي تنعكس على مصلحة البلد والمواطن في مقابل هذا الإنفاق الحكومي؟

وأولى نتائج هذه الميزانية الضخمة أن منتجات الألبان في الكويت هي الأغلى على مستوى دول مجلس التعاون، بل إن الحليب الكويتي نفسه يمكن شراؤه في السعودية والبحرين بسعر أرخص من الكويت، كما أن بلدنا هو الوحيد في المنطقة الذي يفتقر إلى الكثير من صناعة الألبان الأخرى مثل الزبدة والأجبان بأنواعها العديدة.

وعلى الرغم من هذا الصرف الهائل لم نسمع يوماً عن شيء اسمه «الستيك الكويتي» الذي نستورده من الولايات المتحدة والأرجنتين، ناهيك عن صناعة الجلود أو الجيلاتين المحلي، وغير ذلك من المنافع التي تدرها البقرة، ولا حتى سمعنا يوماً بأن الكويتيين يضحون البقر!

وبناءً عليه لا يمكن أن نفسر أحداث قصة البقرة السعيدة التي لم نسمع يوماً بأن طالبها أحد: ماذا قدمتِ من إنتاجية للدولة مقابل كل هذه المزايا الوظيفية؟ ورغم أنها لا تعمل حتى، فإنها صورة أخرى من صور التنفيع لبعض أصحاب الحظوة والنفوذ، وأنه لا أمل بالإصلاح إلا إذا حجّت هذه البقرة على قرونها!