بيان إبراء الذمّة!
أحمد الديين
قد أتفق وربما أختلف مع بعض ما جاء في بيان إبراء الذمّة الذي أصدره عدد من الناشطين في “المنبر الديمقراطي الكويتي” تجاه ممارسات سياسية ونيابية مثيرة للجدل والاعتراض منسوبة إلى هذا الطرف المحسوبة على التيار الوطني أو ذاك، ولكن المؤسف أنّ هناك مَنْ اعترض على الحقّ المشروع لموقعي البيان في إصدار بيانهم والتعبير عن رأيهم المخالف والمعترض، وذلك بغض النظر عما يمكن أن يكون هناك من ملاحظات وانتقادات حول هذا البيان… والمؤسف أكثر أنّ هناك مَنْ استخف بأشخاص الموقعين وأنكر عليهم صلتهم بالتيار الوطني، مع أنّ اثنين منهم وتحديدا عثمان الشعلان ونافع الحصبان هما من قدامى أعضاء المنبر، والأخير سبق انتخابه في أكثر من مؤتمر للمنبر عضوا في الهيئة التنفيذية والأمانة العامة، كما كان الدكتور محمد الحسن يشغل إلى عهد قريب منصب أمين سر المنبر، وأحمد سعود عضو السابق في الأمانة ورئيس “رابطة الشباب الكويتي” ذات الصلة بالمنبر، التي كانت تحمل في السابق اسم “رابطة الشباب الوطني الديمقراطي”، وهؤلاء وإن لم يكونوا من الزعامات المعروفة إعلاميا إلا أنّهم بالتأكيد من كوادر المنبر الديمقراطي، ورغم أنني اختلف مع بعضهم لأسباب سياسية أو تنظيمية، إلا أنّه من الظلم إنكار صلة هؤلاء الموقعين على البيان بالتيار الوطني، بل أنّ بعضهم أقرب إلى هذا التيار من بعض المحسوبين عليه… وغير هذا فإنّ هناك التباسا ملحوظا في التناول الإعلامي لهذا البيان، فهناك مَنْ بالغ ووصفه بالانشقاق، ولا أحسب أنّه كذلك، وهناك مَنْ خلط وأشار إلى أنّ الموقعين من أعضاء “التحالف الوطني الديمقراطي” وأشك أنّ أحدا منهم كذلك!
وأما من حيث الموضوع، فلعلّ الأزمة التي يعيشها التيار الوطني أكبر من أن تنحصر في الممارسات السياسية والنيابية المثيرة للجدل والاعتراض التي أشار إليها البيان، فمثل هذه الممارسات إن صحّ وجودها جميعها أو بعضها أو حتى إن لم يصحّ فإنّها لا تعدو كونها مظاهر وأعراض لأزمة أعقد وأشمل وأعمق يمر بها التيار الوطني منذ سنوات… فالأزمة تعود أولا إلى العداء السلطوي للتيار الوطني الذي كان يتصدر في السابق المعارضة السياسية والنيابية وما تعرّض له هذا التيار منذ أوساط السبعينيات من محاولات سلطوية استهدفت محاربته وتهميشه وإضعافه، مثلما حدث لنادي الاستقلال، وما نجم عن ذلك العداء السلطوي من مصاعب وتعقيدات قادت بعض قوى التيار الوطني إلى التخبّط وإلى تبني تحليلات خاطئة والانجرار وراء أوهام واتخاذ مواقف غير منسجمة… وفي المقابل فإنّ هناك أيضا عوامل ذاتية يمكن أن تُعزى إليها ما يعانيه التيار الوطني من أزمة، حيث يعود جانب منها إلى التركيز المبالغ فيه عند بعض الأطراف على الجانب الانتخابي البرلماني من العمل السياسي، الذي حوّل بعض قوى التيار الوطني إلى تجمعات انتخابية وذلك على حساب الأشكال الأخرى من العمل السياسي والتعبوي والتنظيمي، وهذا ما ترك أثاره السلبية على الاصطفافات والأولويات والحسابات وقاد إلى تحالفات انتخابية ونيابية مع أطراف لها مصالحها المغايرة ومواقفها المختلفة التي اضطرت بعض قوى التيار الوطني إلى تحمّل وزرها، وهذا ما يمكن أن نلحظه على مستوى مواقف أطراف “كتلة العمل الوطني” البرلمانية التي أصبحت محسوبة على التيار الوطني ككل من دون أن يكون هذا التيار مسؤولا عنها… فيما تعود أزمة التيار الوطني في جانب آخر منها إلى التأثيرات السلبية لتبني التوجّه الليبرالي الجديد منذ منتصف التسعينيات في القضايا الاقتصادية الاجتماعية في مسائل الخصخصة؛ واقتصاد السوق؛ واتجاهات التنمية؛ وترشيد بنود الإنفاق الاجتماعي الضرورية؛ ودعوات تحميل الطبقات الشعبية أعباء إضافية؛ وتجاهل مشكلات البطالة والتضخم النقدي وعدم تبني المطالب المعاشية والهموم الحياتية للفئات الشعبية محدودة الدخل المتصلة بالسكن وفرص العمل، وهذا ما اتضح في الخطاب السياسي والنيابي والإعلامي لبعض قوى التيار الوطني أو المحسوبين عليه، ما أفسح المجال أمام التوجهات الشعبوية لطرح نفسها بديلا عن خطاب التيار الوطني المدافع تاريخيا عن مصالح الفئات الشعبية… وهناك جانب في الأزمة يعود إلى التحليل الذي يتبناه البعض حول أولوية الصراع والتناقض مع الجماعات الإسلامية وتزمتها على حساب الصراع السياسي والتناقض مع التوجّه السلطوي وسطوته… وغير ذلك فإنّ هناك جانبا آخر من الأزمة يعود إلى تبني البعض لخطاب مناطقي فئوي ملتبس مع الخطاب الوطني، مع أنّ التيار الوطني هو بالأساس التيار الداعي تاريخيا إلى المواطنة الدستورية المتساوية.
إنّ الأزمة التي يعانيها التيار الوطني تتطلب بالتأكيد النقد الذاتي الصريح، وتتطلب في الوقت ذاته موقفا مسؤولا لا يكتفي بإعلان التبرؤ من بعض الممارسات، وإن كان التبرؤ مستحقا… وفي الوقت نفسه فإنّ ما يحدث من فرز داخل صفوف التيار الوطني قد يكون أحد العوامل المساعدة على تجاوز أزمته، إذ إنّ التيار الوطني لا يقتصر على الليبراليين أو الليبراليين الجدد وحدهم، ولا ينحصر في نواب “كتلة العمل الوطني” مع الاحترام الكامل لأشخاصهم، وإنما يشمل هذا التيار كثيرين من الشخصيات والنشطاء والجنود المجهولين من أصحاب التوجهات الوطنية والديمقراطية والتقدمية واليسارية التي يجمعها الكثير مما يمكن الاتفاق عليه والتنسيق حوله في مواجهة النهج السلطوي ومن أجل التطور الديمقراطي وفي قضايا الحريات والتقدم والعدالة الاجتماعية، مثلما يمكن أن تتنوع ميول هؤلاء وتختلف رؤاهم وتتباين اجتهاداتهم ومواقفهم… فالوحدة في التنوع!
أضف تعليق