أقلامهم

د.حسن جوهر يستذكر الغزو الغاشم الذي يدخل اليوم عقده الثالث ليولد جيل كويتي آخر تبعده السنون أكثر وأكثر عن تلك التجربة العصيبة

صدام الكويتي!


د.حسن عبدالله جوهر


مع صبيحة هذا اليوم الثاني من أغسطس يدخل الغزو العراقي لدولة الكويت، وبكل آلامه وذكرياته وأحداثه، عقده الثالث، ليولد مع ذلك جيل كويتي آخر تبعده السنون أكثر وأكثر عن تلك التجربة العصيبة، دونما أي استثمار حقيقي لذلك التحول الكبير في مجريات الأمور، وتلاحق التطورات والعواصف التي هبت من كل حدب وصوب.
وكم هو محزن ومخيف أن نستذكر مثل هذا الحدث المزلزل على المستوى الرسمي بإعادة وتكرار التصريحات المعبّرة عن الامتنان للدول الشقيقة والصديقة التي وقفت إلى جانبنا، ونترحم على شهدائنا الذين ما زالت رفات المئات منهم في غياهب الصحارى العراقية.
نعم نحتاج إلى هذه الوقفة لثبيت الحقائق وإعطاء كل ذي حق حقه، ولكن ما نحتاج إليه أكثر هو تقييم تجربتنا بعد الغزو مقارنة بالدول والشعوب التي تعرضت إلى ما تعرضنا إليه، وفي إطار التغييرات العنيفة التي هزت العالم بدءاً من سقوط نظام القطبية الثنائية وانهيار الإمبراطورية الشيوعية، ومروراً بانفراد القطب الأميركي الأوحد وبدء أفول نجمه أمام ظهور قوى عظمى ومتوسطة منافسة في السبق العالمي وتوجيه القرار الدولي، وانتهاءً بزوال أنظمة سياسية وتفجر الانتفاضات الشعبية والإبهار التكنولوجي والثورة المعلوماتية ووغول الإنترنت، وانكماش مفهوم العولمة وتحولها إلى نمط من الحياة اليومية نعيشها على مدار الساعة بالصوت والصورة والحدث.
وأمام هذا المشهد الجديد الشبيه بعالم الخيال لنسلط الضوء على بلد استقطب أنظار العالم برمته قبل إحدى وعشرين سنة، وبثروة أعظم واستقرار أكبر لنرى تلك الصور الكئيبة مثل الاختناقات المرورية وطوابير الانتظار للتوظيف وحرمان الآلاف من التعليم الجامعي وتمدد فترة الحصول على السكن، واستجداء طلبات الحصول على العلاج في الخارج من أمراض العصر.
وننتقل إلى صورة أخرى لنجد أن أموالنا التي انتفض الشرفاء لحمايتها، خاصة الاستثمارات الخارجية في ظل غياب الدولة ومؤسساتها وتوجيهها في المقابل لمعركة التحرير وإيواء المشردين وكفالة الصامدين، هذه الأموال باتت اليوم مستباحة حتى آخر فلس من قبل بعض المؤتمنين
عليها، ودفاع الرقباء عليهم والتبرير لهم إن لم يكن تمكينهم أو حتى مشاركتهم في الجريمة، وكأن رحم الغيرة والمسؤولية قد قطع بالكامل.
ولنتحول إلى أخطر صورة ومشهد لنرى أن الدماء التي امتزجت من أجساد المواطنين السنّة والشيعة والبدو والحضر من أجل الكرامة والهوية الوطنية، والسجون العراقية التي لفت الكويتيين لتصهرهم في جسد واحد، وتلك الرفات التي دفنت في قبر واحد واختلطت لحمها وعظامها، قد استبدلت حتى بلغ الأمر ألا يقبل البعض أن تتعايش الأجساد الحية بلحمها ودمها وعقولها على أرض واحدة، وتجرأ البعض الآخر لدرجة هدرها واستباحتها وإلغاء وجودها، وأدخلت بمعارك بدأت ولا يعرف هل ستنتهي أو كيف ستنتهي، فمرة بين الحضر والقبائل ومرة بين السنّة والشيعة.
هذه هي الصورة التي كان يجب أن يرصدها مجلس الوزراء ويشخص مضامينها، ويطلق معركة تحريرها في ذكرى الغزو الأخير، ويكشف لنا من هو صدام الكويت، ويشكل ضده تحالفا وطنيا لدحره وطرده من القلوب والعقول!