أقلامهم

جاسم بودي متوجسا من الحضور الطاغي لتركيا: هل دخول السلطان العثماني بيتنا العربي مثل خروجه؟

 فتوحات بني عثمان
جاسم بودي
 
ناشد بعض رموز الحراك السياسي الكويتي تركيا بالتدخل عسكريا في سورية إضافة إلى تدخلها السياسي… وصل «انتخاء» بني عثمان إلى الكويت.
قبل أقل من عقد من الزمن عاد الأتراك إلى المنطقة العربية. صاروا جزءا من يومياتنا سواء تعلّق الامر بالصراع العربي الإسرائيلي أو حتى بالتوسط لحل الخلافات العربية العربية. تمددت أسواقنا الاقتصادية في اتجاههم وتمددت أسواقهم في اتجاهنا. لعبوا دورا في تسويق الإسلام السياسي مع الغرب وطرحوا أنفسهم نموذجا ملتزما يحترم الحريات والديموقراطية وحقوق الانسان خصوصا بعد غزوتي مانهاتن وواشنطن.
عاد العثمانيون وتمددوا في القرارين السياسي والاقتصادي. لا يستقيم أي تطور إقليمي من افغانستان إلى فلسطين مرورا بالعراق وسورية ولبنان وشمال افريقيا إلّا وأنقرة في قلبه. نشروا توليفة خاصة في السياسة الخارجية قائمة على جمع المتناقضات ما أمكن. يوفرون قواعد لـ «الناتو» والولايات المتحدة ويرفض برلمانهم في الوقت نفسه السماح للمقاتلات بالانطلاق منها لضرب العراق مثلا… أليست الديموقراطية مطلبا غربيا؟ يساعدون في إنهاء الانقسامات في كل مكان ويبقون ورقة التقسيم القبرصية أداة في يدهم لمفاوضة الاتحاد الأوروبي على الدخول إليه. يتوسطون بين سورية وإسرائيل لاستئناف العملية السلمية ثم يتوسطون بين السوريين واللبنانيين. «يبحرون» إلى غزة كاسرين الحصار مهددين بالويل والثبور وعظائم الأمور و«يطيرون» بعد ذلك إلى إسرائيل للمساهمة في إطفاء حرائق اندلعت في غاباتها… لكل مقامٍ مقال.
عندما بدأ ربيع العرب، تصرفت تركيا كدولة عظمى في المنطقة. دعمت الشعب التونسي في التخلص من نظامه، وسبقت بعض الناشطين المصريين المعارضين في دعوة الرئيس حسني مبارك إلى ترك السلطة. ترددت قليلا في ليبيا لإخراج عمالها وشركاتها من هناك ثم شاركت مع الناتو في العمليات العسكرية وتجاوزت الولايات المتحدة في التنديد بقمع القذافي لشعبه. أدلت بدلوها في الأحداث التي شهدتها البحرين واليمن لكنها صادرت المشهد الإقليمي برمته في ما يتعلق بالأزمة السورية إذ فاجأت الأقربين قبل الأبعدين في اللهجة المتشددة التي اعتمدتها. هاجمت وحذرت واستقبلت نازحين وأرسلت إنذارا تلو الآخر ثم نقلت إلى القيادة السورية «رسالة أخيرة» معتبرة الشأن السوري «شأنا داخليا تركيا».
داخليا، مارست القيادة التركية أيضا توليفة خاصة. وافقت على دور الجيش في حراسة العلمانية ثم عملت بكل ما أوتيت من قوة لحصد كتلة برلمانية قادرة مقاتلة من أجل تعديل الدستور، وإذا كانت لم تنجح حتى الآن في التعديل إلا أنها نجحت في قطع بعض «مخالب» الجنرالات في معركة يصعب التكهن بنهاياتها وما إذا كانت ستعزز مكانة أردوغان ضد الجيش او ستعين الجيش على تحويل أردوغان إلى اربكان آخر!
بنو عثمان اليوم في ديارنا. بعضنا يناشدهم التدخل أكثر في شؤوننا لعجز المنظومة العربية وقلة حيلتها. بعضهم يفعل ذلك لأنه يريد (بصراحة مؤسفة) توازنا بين تركيا «السنية» وإيران «الشيعية»، وآخرون يرون «قيامة» لدولة إسلامية قوية. وتذهب مراكز الأبحاث الغربية وأجهزة استخبارات إلى اعتبار النموذج التركي نموذجا صالحا للتعميم في الشرق الأوسط عبر السماح لـ «النيو اخوان» بتسلم السلطة في بعض الدول… تحليلات وسيناريوات لكن الحقيقة الثابتة أن تلك الدولة الممددة بين آسيا وأوروبا امتدت إلينا.
هل الدور التركي الجديد يساعدنا فعلا كعرب ومسلمين؟ هل هو نموذج صالح لنا ولمجتمعاتنا؟ هل دخول السلطان العثماني بيتنا العربي مثل خروجه؟ هل تتجه المنطقة إلى تكتلات عاطفية على أسس مذهبية وليس إلى تكتلات واقعية على أسس المصلحة السياسية؟
من المسؤول عن انكفاء الدور العربي والحضور العربي والقوة العربية لمصلحة الدور التركي والحضور الإيراني والقوة اللاعربية في المنطقة؟
نتمنى ألا يجيبنا أحد بأن غيرنا يملك الاجابة… «فما لزماننا عيب سوانا».
 

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.