أقلامهم

معصومة ابراهيم: لماذا أحجمت الحكومة عن أهم قانون في الحزمة وهو المتعلق بالذمة المالية؟

“الذمة المالية” .. ولعبة الحصان والعربة


د.معصومة أحمد ابراهيم


وجد القانون لكي يكون فيصلا بين الانسان والآخر من ناحية، ومنظما للعلاقة بين الناس وسلطة الدولة من ناحية أخرى. وفي هذا الاطار سعت جمعية الشفافية الكويتية الى اعداد حزمة من قوانين النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، وهي منظومة قانونية متكاملة تهدف الى ايجاد سبل حازمة للمراقبة بهدف الحفاظ على ثروة البلد، وهي قيم تصب في صون أخلاق المجتمع واقتصاده وديموقراطيته على السواء.
وتزداد الحاجة الى هذه القوانين، الرامية الى تعزيز الشفافية، في الظروف الحاضرة، أكثر من أي وقت مضى، حيث تواجه الحكومات ضغوط الأزمات الاقتصادية على الصعيد الدولي، من جهة، وتعاظم الوعي الرقابي من المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني على الصعيد المحلي، من جهة أخرى، وتفشي الفساد بألوانه المتباينة وأشكاله المختلفة وأساليبه المتغايرة في المناورة، من جهة ثالثة.
لكن المثير للدهشة والاستغراب أن الحكومة قد وافقت على معظم القوانين الداعية الى تعميق الشفافية، لكنها أحجمت عن الموافقة على أهم قانون في الحزمة، وهو الذي يتعلق بقانون «الذمة المالية» الذي يوجب الكشف عن حجم الثروة التي يحوزها الموظف العام من كبار موظفي الدولة ووزرائها ونوابها، قبل التحاقه بمنصبه، وبعد انتهاء تكليفه من وظيفته، حتى يتمكن الشعب، بكل مؤسساته (الرسمية والمدنية) من متابعة المسؤولين من خلال جدار زجاجي شفاف لا يعوق المراقبة. ورغم أهمية قانون «الذمة المالية« لمصلحة الجميع، بما يشمل الموظف نفسه، وحمايته من أي شبهة قد تلحق به من هذا الصوب أو ذاك، تتقاعس الحكومة، بلا تبرير معقول أو تفسير مقبول، عن ادخال هذا القانون ضمن منظومة قوانين الشفافية، خصوصا أن هذه القوانين تندرج ضمن نصوص الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد.
فهل يحق التساؤل- في هذا السياق- عن مدى جدية الحكومة في تفعيل اجراءات الشفافية، اذا كانت تصر على ابعاد قانون «الذمة المالية» من مجموعة القوانين التي تضمن مكافحة الفساد، رغم أن هذا المسلك الحكومي المحير يفرغ العملية الرقابية من محتواها ودلالتها وهدفها في آن واحد، ويدعم المبدأ الانتهازي «اسكت عني وأسكت عنك»؟ وكيف نتقبل هذا الموقف من الحكومة التي يتعين عليها هي نفسها العمل لتوسيع آليات النزاهة في ادارة أموال الدولة ومواردها وممتلكاتها، ولتعزيز الدور الرقابي للأجهزة المختصة، والحيلولة دون اساءة استخدام السلطة أو المنصب لتحقيق منافع شخصية، ولكبح التكسب بالسطو على المال العام، والقضاء على ظاهرة الاثراء غير المشروع؟
ان الحكومة تنادي دائما بتعميق الممارسة الديموقراطية، ونحن معها في ذلك، ونعتبر أن واجبنا الوطني يحتم علينا مساندتها في هذا الموقف النبيل. لكن الذي لا نفهمه من الحكومة هو أنها لا تشعر بأن هناك تناقضا صارخا بين الديموقراطية وغياب الشفافية، فحين لا تحافظ الديموقراطية على ثروة الدولة ومصالح مواطنيها، تكون قد تحولت الى دكتاتورية للفاسدين، حيث تتضخم ثروات المسؤولين والنواب من أموال الشعب، وتتعطل مشروعات التنمية، وتغيب القيم الأخلاقية من المجتمع، ويتراجع مبدأ «الثواب والعقاب»، ويسقط السؤال النبيل: «من أين لك هذا؟».
لذلك كله، تقع على كاهل الحكومة مسؤولية الاسراع الى ادراج قانون «الذمة المالية» ضمن منظومة قوانين النزاهة، خصوصا بعد ان دعا سمو الامير الى إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لأن نزعه من هذه المنظومة، كاقصاء الحصان عن عربته المثقلة، وهو مسلك لا يجرؤ على ارتكابه الا من يريد شرا بالبلد، وتلاعبا باقتصاده، وعبثا بقيم مواطنيه. فلنتحسس ضمائرنا جميعا، قبل أن نغرس بذور الشوك في حديقة منزلنا.. بأيدينا

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.