كتاب سبر

التنوير.. لو كانت ناراً أضاءت!

يقول المفكر السعودي تركي الحمد إنه يتحسس عقله كلما سمع كلمة “شيخ” في إشارة منه لغياب الاتجاه العقلاني عند مشايخ الدين بالمجمل، وهو أرادها بهذه العمومية، كما هو واضح من ظاهر عبارته و التي نتفق فيها مع الحمد بضرورة أن يتحسس الإنسان عقله مقابل كل شيء و أمام أي شخص و تحت أي ظرف وعلى وقع هذا الكلام لا تكاد أطراف أناملنا تلامس فروة الرأس؛ تحسساً للعقل أمام عبارة الحمد حتى نتساءل عن المفارقة في حضور عقل الحمد أمام كلمة شيخ وغيابه أمام كلمات أُخرى مثل”مؤسسة الحكم” التي يعمل تركي الحمد مستشاراً لديها ولا ندري إن كان يعمل بفتوى عقلانية و يُناصح سراً بكلمات قد لا تختلف كثيراً عما يهمسه المستشار الآخر لنفس الجهة “الشيخ” عبدالمحسن العبيكان!

تركي الحمد الذي قرأ و كتب كثيراً عن الثورة الفرنسية و امتدح إرساءها للمبادئ الثلاثة في الإخاء و العدل و المساواة، لكن يبدو أن الحمد في النهاية لم يكن مفتوناً إلا بأمعاء القساوسة دون المساس برقبة الحاكم ولو استعرنا عقل الحمد، لشنقنا آخر قسيس بأمعاء آخر قسيس أيضاً، و ليحيا الإخاء و العدل و المساواة و رقبة الحاكم!.. هكذا يفهم مسيو الحمد النضال الإنساني أنه ضد الدين و ليس ضد الاستبداد و الانفراد بالسلطة!

و حقيقةً لا شخص تركي الحمد ولا عقله يغري بالوقوف أكثر، ولكنه يصلح كمثال على حالة التزييف التاريخي؛ لأسباب الاستبداد وربطها بالدين و الذي يحاول الحمد و أمثاله ترويجه بيننا في هذا الوقت الذي تجاوز فيه الإنسان العربي جزءاً معتبراً من واقعه دون أن يتجاوز و يصحح شيئاً من ماضيه و نحن نرى من يتغنى بسقوط بن علي ويترحم في الوقت ذاته على بورقيبة و يعجبه منظر حسني مبارك في قفص المحاكمة دون أن يُحاكِم تاريخ مجرم أكبر مثل عبدالناصر الذي أهان الوعي المصري و العربي، وهو يصرخ في مسرحية المنشية: “أنا اللي علمتكوا الكرامة” في عباره تختصر مسيرة الناصرية و حقيقتها التي استمرت و أطلت علينا بعد نصف قرن عبر عبارة القذافي الشهيرة “من أنتم!”.. و كلاهما عبدالناصر و القذافي يتحدثان للشعب باستخدام نفس الضمير “من أنتم.. لولانا نحن!”.. و للتذكير فقط عبدالناصر قال للقذافي حين التقاه ” أرى فيك شبابي “.. صدق وهو ظالم مستبد كذوب.

في ذلك الزمن الذي كان عبدالناصر يعلم المصريين العزة و الكرامة على طريقته كان سيد قطب رحمه الله على طرف النقيض يكتب وهو في المعتقل أن ” الإنسان عبدٌ لله و سيدٌ مع كل من عداه ” في مخالفة واضحة لتعاليم الكرامة الناصرية التي تنص على أن السيد هو عبدالناصر فقط وفي النهايه شرب قطب بالعز كأس الحنظل و ترك كأس الحياة بذلةٍ تدور بين قباني و أدونيس و غيرهم ممن تبادلوا قُبول الإعجاب مع الاستبداد الناصري ثم تأتي صفحات بل صفعات من التاريخ؛ لتقدم لنا سيد قطب مثالاً على الرجعية و الظلامية و يكون نصيب قباني و أدونيس و سواهم أنهم دعاة التقدمية و التنوير!

أدونيس التافه يأخذ على الثورة السورية أنها تنطلق من المساجد ولا يأخذ على جيش النظام انطلاقه من الثكنات لقمعها و يأتي من ورائه ليتجاهلوا موقفه البائس و يمسكوا بتلابيب موقف التافه الآخر البوطي ليقولوا لنا أن الدين فقط هو صنو الاستبداد متغافلين عن موقف الكثير من علماء الشام و على رأسهم شيخ قراء دمشق راجح كريم في خصام فكري يفتقد للشرف و الأمانة..

يقفز للذاكرة و أنا أستعرض صورة قديمة جمعت رائد التنوير العربي طه حسين بالزعيم التنويري الآخر بورقيبة و أستعرض أيضاً ما خلفه الأول من ظلام وما جناه الثاني من ظلم.. ولا زال هناك من يخلع النور عليهم!

لا نكون قد تحررنا و تنورنا وهناك أشياء ليست بمكانها.. و هناك أضواء ليست على أهلها.