أقلامهم

أحمد الديين يعيد التذكير بحديث خالد الفضالة عن غسل الأموال ولا يرى بديلا عن تحريك الشارع بسبب الإيداعات المليونية

أخطر من مجرد غسيل أموال!  
 
أحمد الديين
مساء السادس عشر من نوفمبر من العام 2006 كنت واحدا من بين بضعة مئات من جمهور الحاضرين في الندوة التي نظمها شباب حملة “ارحل نستحق الأفضل” في ساحة الإرادة، وذلك قبل أن يصبح شعار “ارحل” شعارا شبابيا عربيا معمما تردده الحناجر في هتافاتها وترفعه الجماهير في لافتاتها عبر أكثر من ساحة من ساحات العواصم والمدن العربية، وفي تلك الأمسية استمعت إلى ما جاء على لسان الأمين العام السابق للتحالف الوطني الديمقراطي خالد الفضالة من تشخيص صائب في كلمته الشهيرة التي ربط فيها بين جريمة الإفساد السياسي وجريمة غسيل الأموال… ومثلما هو معروف فقد تعرض الفضالة جراء ذلك الربط بين الجريمتين إلى حملة ملاحقة سياسية تحت غطاء قانوني أدّت إلى الزجّ به في الحبس، وذلك قبل أن يتم إقفال ملف تلك القضية في بداية هذا العام… واليوم ها هي فضيحة الإيداعات المليونية في الحسابات المصرفية لاثنين من النواب تجر وراءها فضيحة أخرى تتصل بحسابات مصرفية متضخمة لنواب آخرين لتؤكد بالدليل الملموس صدق ما جاء على لسان خالد الفضالة عندما ربط بين جريمتي الإفساد السياسي وغسيل الأموال!
ولعلّه من المهم الآن أن يستمر هذا الربط بين الجريمتين فلا يتم التركيز فقط على جريمة غسيل الأموال والإيداعات النقدية الضخمة غير المبررة في الحسابات المصرفية لبعض النواب، فهذه الجريمة على خطورتها إنما هي نتاج جريمة الإفساد السياسي التي هي أكبر وأخطر… وبالمناسبة فإنّ المختصين في قضايا الفساد يطلقون على الفساد الذي يصيب المستويات والأجهزة العليا في الدولة مصطلح الفساد الكبير Grand Corruption أو اقتناص الدولة State Capture، وذلك عندما “تسخّر النخبة، التي تسيطر على المستويات والأجهزة العليا، السلطات التي تملكها لتحقيق منافع شخصية هائلة تتضمن تبديدا كبيرا لموارد الدولة والمجتمع” (أنظر ورقة أحمد عاشور في ندوة المنظمة العربية لمكافحة الفساد في 2006).
إنّ الأمر أخطر من أن ينحصر في شراء ذمم نواب فاسدين وغسيل أموال المفسدين، إنه فساد مؤسسي على مستوى الدولة، وبالتالي فإنّ التصدي لمثل هذا الفساد الكبير لا يمكن أن يتحقق عبر إجراءات تحقيق؛ أو جلسات مناقشة؛ أو تشريعات يقرّها الأشخاص المفسدون الفاسدون أنفسهم أو تتولاها المؤسسات المفسدة الفاسدة ذاتها، فهؤلاء الأشخاص هم المشكلة ولا يمكن أن يكونوا في الوقت ذاته جزءا من حلّها ومعالجتها، وكذلك هي حال هذه المؤسسات… ومن هنا فإنّه مع كل التقدير للنوايا الصادقة لذلك النفر المخلص من النواب المبادرين إلى تقديم طلب جلسة طارئة لمجلس الأمة لمناقشة الفضيحة، فإنّ مثل هذه الجلسة الموعودة لن تجدي نفعا، إذ تمتلك الأطراف السلطوية وأتباعها القدرة على الحيلولة دون انعقادها عبر إفقادها النصاب، مثلما فعلت أخيرا مع دور الانعقاد الاستثنائي، كما تستطيع الأطراف السلطوية وأتباعها أن تجعلها جلسة سرية، مثلما سبق أن فعلت مع جلسات كثيرة، وتستطيع أن تجعلها مجرد “مهرجان خطابي” لا أثر فعليا لها، وغير ذلك من الألاعيب المسبوقة وغير المسبوقة!
وبالتالي فإنّ الأسلوب الوحيد الذي يمكن أن يكون مجديا وذا أثر ملموس في خوض معركة التصدي للإفساد السياسي الكبير إنما يتمثّل في نقل ساحة هذه المعركة المستحقة إلى خارج أسوار مجلس الأمة وذلك بوضعها بين يدي شباب الأمة، الذين لا يمكن أن يتم شراؤهم مثلما جرى شراء الكثير من النواب، والذين هم أصحاب المصلحة الحقيقية في قطع دابر الإفساد والفساد… وغير هذا عبث وإضاعة وقت!