أقلامهم

آن الأوان ليكون منصب رئيس الوزراء من حق الشعب طبقا للدستور.. هذا ما يطالب به محمد المقاطع

رئاسة الوزراء دستورياً… شعبية 


 محمد عبدالمحسن المقاطع


 
إن تداول السلطة وتبدل أشخاص أصحاب السلطة ورجال الحكم بين الفترة والأخرى تجاوباً مع مجريات الانتخابات، هما جوهر النظام الديموقراطي، الذي أخذ به الدستور الكويتي الذي سطرت مواده وأحكامه مبدأ تداول السلطة حينما أوجبت «إعادة تشكيل الحكومة بعد كل انتخابات عامة»، والتي أوجبت «عدم البقاء على رئيس وزراء بلغ حد التذمر منه الى التصويت على سحب الثقة منه»، وهي التي قررت «وجوب استشارة رؤساء الوزراء السابقين قبل اختيار رئيس وزراء جديد»، وهو ما يعني أنه لن يكون هناك رؤساء وزراء سابقون إلا إذا تم تداول هذا المنصب.
وإذا كان منصب رئيس الوزراء متداولاً بين الناس ووجوب ذلك بعد كل انتخابات عامة لأخذ نتائجها في من يتم اختياره لهذا المنصب، وإذ يمنع الدستور في مذكرته التفسيرية صراحة ترشيح أبناء الأسرة الحاكمة أنفسهم لانتخابات مجلس الأمة، فلا مجال اطلاقا للقول بجواز أن يكون رئيس الوزراء من الأسرة الحاكمة، لأن الانتخابات لا تعطي أي دلائل في شأن الأسرة، التي تعمّد الدستور إبعادها عن الانتخابات البرلمانية حفاظاً على حياد الأسرة، وعدم التجريح فيها، ولضمان نزاهة الانتخابات من تدخلها. وعليه فلا يجوز أن يعين رئيس وزراء من بين أبناء الأسرة الحاكمة، إذ إن ذلك يتنافى أيضاً ومبدأ تداول السلطة، وهي هنا رئاسة الوزراء، ولا جدل كونها منصباً شعبياً خالصاً وإلا تهاوت أحكام الدستور الذي تكاملت أحكامه في تجسيد هذه المبادئ التي تهدف إلى تعزيز مكانة الأسرة الحاكمة وفقاً للمادة الرابعة من الدستور وترسيخ مبدأ الحكم الشعبي كما عبّرت عنه المادة 6 من الدستور.
وتأتي أهمية إدراك البعد الدستوري بكون منصب رئيس الوزراء يجب أن يكون شعبياً، حتى تسير الأمور في السياق الطبيعي الذي انبثقت عنه وثيقة دستور نوفمبر في عام 1962 والتي تكشف مناقشات المجلس التأسيسي عن جوانبها المتصلة بهذا الموضوع، حيث إنه في آخر الفقرة من المادة 56 من الدستور، والتي أشارت إلى أن الأصل بالوزراء أنهم من مجلس الأمة مع الاستثناء بجواز التعيين من غيرهم، وهو ما يفتح الباب لإشراك بعض أبناء الأسرة الحاكمة في مناصب وزارية للتدرب وللقرب من مجريات العمل التنفيذي، من دون أن تكون لهم مشاركة ملزمة بالوزارة ومن باب أولى عدم تسلمهم لمنصب رئيس الوزراء. وربما يتساءل البعض وهل ما جرى عليه العمل سابقاً من ترؤس مجلس الوزراء أحد أبناء الأسرة الحاكمة وحتى اليوم غير متوافق مع الدستور ويخرج على أحكامه؟ والجواب على التساؤل لدينا واضح بأن نعم، ذلك لا يتوافق وأحكام الدستور لتناقضه مع الدورين المرسومين بصورة منفصلة ومتكاملة للأسرة الحاكمة من جهة، والتي منها تُمدّ الدولة بأمير وولي للعهد، ومن جهة أخرى دور للشعب ومنه يأتي رئيس مجلس الوزراء الذي يكون مساءلاً سياسياً ويفقد مركزه ومنصبه حال فقدانه للثقة في مجلس الأمة، وهو من أساسيات الركائز التي يبنى عليها النظام البرلماني الذي تبناه الدستور الكويتي بشكل واضح.
وتبرز أهمية اختلاف شخص رئيس مجلس الوزراء عن كونه أحد أبناء الأسرة الحاكمة، إذ إن من يأتي من الأسرة يبدأ ببذل كل الجهد للاستمرار بهذا المنصب اعتمادا على أنه من الأسرة الحاكمة، كما أنه لا يقبل المساءلة السياسية تبعاً لتلك الوضعية، وأخيراً يتطلع إلى منصب أعلى بحكم انتمائه للأسرة وهو في موقع رئيس مجلس الوزراء «أن يصبح ولياً للعهد أو أميراً» كما يسمح بذلك الدستور وفقا لإجراءاته، وهنا نجد أن خلطاً قد وقع سببه ممارسة واقعية خاطئة صار فيها رئيس الوزراء من الأسرة، وكان يجب أن يكون من الشعب لتجنب جميع التناقضات في تطبيق النصوص الدستورية التي لا تسمح بمثل ذلك، وأظن أنه آن الأوان لأن يأتي رئيس للوزراء شعبي كما جسدته نصوص الدستور تحقيقاً لمصلحة البلد وحفاظاً على مكانة الأسرة وسلامة الممارسة الديموقراطية.


اللهم إني بلّغت،،