أقلامهم

لمى العثمان ترى أن الرعاية الصحية وجودتها حق أساسي وإنساني لكل من يعيش في الكويت

الفصل العنصري الآن والتجارة بصحتنا غداً
لمى فريد العثمان
 
بينما تتحرك دول العالم المتقدم والنامي باتجاه سياسة الضمان الصحي الشامل غير الربحي، نسير نحن بعكس الاتجاه في سعي صناع القرار في الحكومة ومجلس الأمة إلى إقرار قانون التأمين الربحي، الذي يفصل بشكل عنصري لا أخلاقي بين المواطنين والوافدين في المستشفيات.
لا مانع من تأمين صحي إلزامي للوافدين، كما هو حاصل في بلدان العالم، ولكن ما لا يتوافق مع الدستور والقوانين الدولية أن تُقدَّم لهم خدمة صحية أقل جودة، فالرعاية الصحية حق إنساني أساسي لا يقبل التفاوت والتفاضل.
وقد تم تدشين أولى خطوات هذا القانون عبر إنشاء «شركة مستشفيات الضمان الصحي» الخاص بالوافدين، وهي، كما صرح المسؤولون، أكبر إصدار عام في تاريخ الكويت والأكبر من نوعها في الشرق الأوسط، وتقوم على شراكة القطاعين العام والخاص بحيث تقدم جهة واحدة تحتكر السوق تأميناً صحياً إلزامياً للوافدين، الأمر الذي يحد من خياراتهم في الحصول على خدمة أفضل.
دراسة «إصلاح القطاع الصحي الكويتي- مقترح لتعزيز العدالة والكفاءة» التي وضعت في اكتوبر 2010 وقام بها د. نديم الدعيج ود. طارق الدويسان باسم مبادرة الكويت للصحة والمجموعة الاستشارية لتطوير الرعاية الصحية، (وهي جهات بحثية غير ربحية ومحايدة) فندت بمهنية وعلمية اختلالات النظم الصحية الربحية ومقترح الفصل بين المواطن والوافد في الخدمات الصحية، ووضعت مقترحاً بديلاً لإصلاح منهجي شامل أكثر عدالة وكفاءة مستنداً إلى توصيات صادرة عن منظمة الصحة العالمية ومتخصصي نظم الصحة العامة في جامعة هارفارد ومجموعة من الخبراء المتميزين.
الدراسة شاملة ومتعمقة ومتشعبة، لذا سأتطرق بإيجاز شديد في هذه المساحة الضيقة للمقال إلى بعض النقاط العامة.
دعت الدراسة إلى تبني نظام تأمين صحي إلزامي لجميع المواطنين والوافدين دون تمييز من خلال إنشاء مؤسسة للضمان الصحي الاجتماعي، بحيث تمول المؤسسة التأمين الصحي عن طريق تحصيل أقساط المشتركين التي تقدر حسب مستوى الدخل، بدلاً من إنشاء شركة تأمين ربحية تعتمد على سعر موحد دون مراعاة تفاوت الأجور. وبالمقارنة مع مقترح التأمين الربحي الذي تتبناه الحكومة تؤكد الدراسة أن نظام الضمان الصحي الاجتماعي سيحقق مستوى أعلى من المساواة والعدالة بين جميع أفراد المجتمع، بالاضافة إلى أن الفصل بين المواطنين والوافدين لن يأتي «بنتائج إيجابية تذكر على صعيد جودة الرعاية الصحية أو تكلفتها»، فتكلفة الخدمات الطبية للوافدين حسب إحصائيات وزارة الصحة «تمثل 25 في المئة فقط من مجمل التكاليف الحالية لوزارة الصحة».
إن الضمان الصحي الاجتماعي غير الربحي الذي يؤمن التغطية التأمينية الشاملة التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية في تقريرها الأخير أثبتت فعاليتها في تمويل وتوفير الرعاية الصحية على نحو يتسم بالإنصاف والكفاءة، فهي تعمل على توسيع حجم الأموال المجمعة وبالتالي التقليل من المخاطر المالية التي قد يتكبدها نظام التأمين الصحي المنفصل في الكويت، كما انها سياسة تقوم على العدالة الاجتماعية في توفير الخدمات الصحية لجميع السكان. وما تجربة التأمين الصحي الربحي في أميركا إلا دليل على فشل ذلك النظام الرأسمالي بشكله الجشع، الذي سعى أوباما (ذو التوجه الليبرالي الاجتماعي) إلى إصلاحه في خوضه المعركة الشرسة مع القوى اليمينية وشركات التأمين الكبرى.
والمفارقة العجيبة ان حتى أميركا سيدة النظام الرأسمالي المتطرف تحاول اليوم الاقتداء بالتجارب الناجحة لأنظمة العدالة الاجتماعية في أوروبا، بينما نسير نحن عكس دوران الأرض.
عدم تمكن الجمعيات الخيرية من إتمام علاج حوالي 60 وافداً مريضاً بالسرطان في الآونة الأخيرة، وتقديم خدمات صحية أقل جودة للوافدين (بالرغم من دفعهم التأمين الصحي) كصرف بعض الأدوية للكويتيين فقط، وتهالك مستوى الخدمات الصحية واستشراء الفساد والبيروقراطية وضعف الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، كلها أمور تؤكد عدم فعالية الإنفاق العشوائي المتعثر، إلا أن خصخصة القطاع الصحي كما تؤكد التجارب في الدول المختلفة لم تسهم كذلك في رفع مستوى الجودة بل أدت إلى تضاعف التكلفة على المواطن في فترة قياسية.
لذا بات من الضروري اليوم تبني النظم الناجحة لإصلاح التمويل والذي يعتبر الخطوة الأولى الأساسية نحو إصلاحات شاملة في القطاع الصحي.
اليوم فصل وتأمين ربحي للوافدين وغداً لا محالة ستكون صحتنا وصحة أطفالنا رهينة رأس المال والمنافسة التجارية، تلك هي نتائج الحلول المجتزأة التي حذرت منها الدراسة «عوضاً عن استراتيجية شاملة لإنشاء أسس أكثر ثباتاً للمستقبل».