إذا الموظفون يوماً أرادوا الكوادر فلا بد أن يفلسوا بالكويت
جاسم محمد الشمري
التنبؤات الويكيليكسية التي تذيلت بتوقيع السفيرة الأميركية السابقة في الكويت ديبورا جونز عن تشاؤمها في بقاء الكويت إلى العام 2020 نتيجة انشغال متنفذيها بنهب ثرواتها وكأنها دولة مؤقتة ناقوس خطر ليس لصدق هذه التنبؤات ولكن لأن الواقع الذي نعيشه حاليا ينبئ بما هو أخطر من ذلك حينما بات حلب مقدرات الوطن حالة ثقافة اجتماعية عامة يتساوى بها كبار الموظفين بصغارهم وتجارهم بمستهلكيهم فالكل مجمع على أن الكويت ضرع مدر ومشاع.
النقابات النفطية التي تهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم تستجب الحكومة لمطالبها، والتي يبدو أنها ستستجيب من منطلق إغلاق نافذة تجلب الريح عليها ويكفيها نوافذها المشرعة، خير مثال على هذا الواقع المرير من تجفيف موارد الدولة لصالح أفرادها دون اعتبار لقابل الأيام وما إذا كانت الدولة ستكون قادرة على الوفاء بهذه الاستحقاقات ما إذا تراجع سعر برميل النفط إلى مستويات أقل مما هي عليه الآن وهو ما يتوقعه خبراء نفطيون وهو بالأحرى ما سيكون عليه واقع الحال إذ إن لكل دورة اقتصادية مستوى ازدهار معين تعود بعده إلى مستوى من الانكماش والتراجع.
الكل في الكويت يؤمن بمقولة: «أحييني اليوم وأمتني غدا» وكأن الغد بعيد وليس هو ما نشهده اليوم من عدم قدرة الدولة على استيعاب مواطنيها تعليما وتطبيبا وتوظيفا بسبب سياسات الهدر المالي التي تسير في اتجاهين : ترضيات سياسية عبر إقرار الامتيازات الوظيفية لعشرات الألوف من الموظفين غير المنتجين والثاني تضخيم موازنات المشاريع الإنشائية لاستجلاب رضا المتنفذين وما بين سياسات الترضية هذه لا مستمع لدعوات المخلصين الذين بحت اصواتهم محذرين من استمرار هذا الوضع المنبئ بتهالك أركان الدولة ونضوب مقوماتها.
نتفق بالمجمل مع مطالب تحسين ظروف العاملين في قطاعات الدولة غير أن لا أحد يتفق معنا أن الظروف المعيشية الحالية تحقق سعة من العيش الرغيد إن تعلم المواطنون إتقان حسن الإنفاق بموازناتهم وبطبيعة الحال لا يجد السياسيون والنقابيون مجالا لدفع أتباعهم ومريديهم إلى تفهم هذه الحقائق لأن لا أحد من هؤلاء يريد التضحية بمكتسباته الاجتماعية والسياسية من أجل كلمة حق تعلي من شأن الوطن ومواطنيه.
سيدعي كثيرون أن الحكومة التي تقتر على مواطنيها وتحسب عليهم الأفلاس والأحلاس تنفق بسخاء بيدها الأخرى على المتنفذين وتغدق عليهم المناقصات الملايينية وفي ظني أن من يتحمل وزر ذلك هؤلاء المواطنين الذين اختاروا أن يكونوا سلبيين وهم يرون تناهب الثروة العامة في مشاريع يمكن تنفيذها بأقل من الكلفة المعلنة بكثير وهنا قد يتساءل معترض : وكيف يمكن تحميل المواطنين وزر ذلك؟ وأقول : إنه وعلى مدى سنوات من مراقبة الشأن العام اختار المواطنون التبرم فقط من حالات السرقة والنهب المنظم لثروات الدولة دون فعل حقيقي واكتفوا بأن يتحرك النواب موسميا لإثارة هذه القضايا يما يتفق مع أجندتهم وفي أغلب الأحيان تطوى الملفات دون معالجة وتغطي الملفات الجديدة على القديمة منها وتتورم الأرصدة ويفوز السياسيون بالملذات فيما تزيد وتيرة التبرم وتتسع شريحة المتبرمين.
في إحدى المرات قرأت لأحد كتابنا الصحافيين مقالة يستنكر فيها ما كان شاهدا عليه في منطقة سكنه إذ عمدت وزارة الأشغال على استبدال الطابوق الجيري للأرصفة ثلاث مرات خلال مدة وجيزة ودونما حاجة فعلية لذلك التحديث وبما يدخل الشك في قلوب المتابعين لذلك الأمر في أن تنفيعا دبر بنهار وليس بليل لإفادة أحد المتنفذين وقلت في نفسي : وماذا لو كلف كاتبنا الهمام نفسه واستثار المخلصين من أبناء منطقته لكشف ذلك التلاعب ولوقفه بالقانون أو بفرض الواقع وهنا لا ندعو لفوضى ولكن إلى عمل اجتماعي منظم يقوده المخلصون ويستهدف تعطيل إجراءات هذه المناقصات التي يشتم منها رائحة الفساد والتنفيع.
كم من مخلص مثلا اختار أن يشكل قوى ضغط مجتمعية لرفع دعاوى ضد الحكومة بتهمة هدر المال العام في مشاريع ارتفعت أثمانها بما لا يعقل وكم من مخلص كلف نفسه عناء إعداد دراسات تفصيلية عن الكلفة الحقيقية للمشاريع المشكوك بها ثم عمد إلى استثارة الجموع بخطاب عقلاني وفني وليس عاطفيا أو سياسيا ثم اختار وهذه الجموع الاعتصام عند تلك المشاريع لمنع تنفيذها أو استصدار أمر قضائي بوقفها أو خفض كلفتها ومحاسبة المفسدين عوضا عن التحلطم في الديوانيات بيننا وبين زوارنا وأصدقائنا.
على حد علمي لا أحد منا اختار هذا النهج ليس فساد ذمة أو ضمير ولكن لأيماننا أن أسهل الطرق انتقاد الحكومة التي وبالمناسبة هي مجموعنا نحن الموظفين وليس الوزراء ووكلاء الوزارات والقياديين فقط من منطلق المفهوم الديني الشامل: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
مطالبات الموظفين الدائبة لزيادة رواتبهم ضمن سياق هذا الهدر العلني إن لم يكن النهب العلني لمقدرات الوطن فالإخوة في القطاع النفطي ومثلهم المعلمون لا يهمهم الحصول على مكافأة آنية وإنما «يستذبحون» على مكافأة تدرج ضمن الراتب الأساسي حتى لا يحرموها حين تقاعدهم وهو مبدأ استحواذي ولا يبدو أن هدفه تحسين ظروف العاملين الآنية.
ما الذي يمكن لهذه النقابات المهنية أن تفعله لو اختارت الحكومة التشدد مع موظفيها غير الملتزمين بأعمالهم وهم شريحة كبيرة تفوق الوصف غير التشدد من جهة في أمر هذا النهج وتهديد منفذيه بأنهم يستهدفون رزق المواطن في حين أن المواطن ذاته لا يهمه رزق وطنه وديمومة العيش الرغيد به إن تواصل هذا النزف غير المبرر.
هي معادلة دائرية لا يستقيم طرف منها إلا باستقامة الأطراف الأخرى فهل من متعظ يخاف على وطن مآله إلى الزوال إن لم نحسن قراءة واقعنا والبناء لمستقبله.
أضف تعليق