لا خير فينا إن لم نقلها
محمد عبدالمحسن المقاطع
بات أمر البلد لا يحتمل المجاملة، أو المداراة، أو تلطيف العبارات وتخيّر الكلمات، فمنحنى نزول البلد بشكله الحاد لا يزال مستمرا، بل إنه يزداد سوءا يوما بعد يوم، فقد صار للفساد مؤسساته ورعاته ورموزه وأشخاصه وأدواته المتعددة، وصار يطل علينا بامتداده الأخطبوطي في كل لحظة، وفي كل موضوع، وفي مختلف نواحي حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فلم يترك مكانا إلا استشرى فيه هذا الأخطبوط المدمر، وهكذا آلت حال البلد وبسببه أن صار على حافة هاوية السقوط في مستنقع الفساد الذي لا خروج له منه، إلا بعوامل غير تقليدية، فهل نريد ذلك للبلد؟
إن الحديث عن الحسابات المليونية المتراكمة في حسابات بعض أعضاء مجلس الأمة، التي أحيل حتى الآن ثمانية منها إلى النيابة العامة، وفي الطريق كما ذكر أربعة حسابات أخرى، ليصبح مجموعها حتى الآن 12 حسابا، أي ربما 12 عضوا، أنا على يقين من أن الأيام المقبلة حبلى بمفاجآت تزداد معها هذه الأعداد، وهو ما يعني أنه حتى هذه اللحظة، هناك %25 من أعضاء مجلس الأمة متورطون بشبهات الحصول على أموال سياسية، أو ذات فساد أو ملوثة بشيء من ذلك، وهو سبب بحد ذاته يعني سقوط عضويتهم في المجلس استنادا إلى المادة 16 من قانون اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، لفقدانهم الشروط الدستورية لاستمرارهم في عضوية المجلس، ومن ثم فإن حل المجلس صار أمرا ملحا من الناحية الدستورية، وضرورة من الناحية السياسية لحماية البلد وحفظه من موجة الفساد العارمة التي طفحت مظاهرها على السطح.
والأكثر خطورة وأهمية من كل ذلك هو مصدر هذه الأموال، ومن يرعاها ومن يتستر عليها، ومن يعمد إلى فتح باب العطايا السياسية والهبات المشبوهة، فقد صارت عقلية هذه الفئة من رعاة الفساد التي هي مصادره، تقول إن لكل إنسان ثمنا، وها هي تمكنت من إثبات هذه النظرية حينما استطاعت تلويث هؤلاء النواب، ووضعهم تحت مجهر الشبهات، وهنا تبرز المسؤولية المباشرة للحكومة في كونها صارت راعية للفساد، لأنها لم تتخذ إجراء حاسما في هذا الخصوص، فقد أبلغتني مصادر بأن محافظ البنك المركزي قد قدّم استقالته من رئاسة اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال، بسبب عدم قدرته على قيامه بالمهام المقررة بالقانون، والتي تستلزم كشف متلقي الأموال الفاسدة ومصدرها، فقد بدأت تشير الأصابع إلى أن مصدر هذه الأموال هو شخصيات نافذة ومسؤولة، ومن ثم حصل ذلك الصدام بين محافظ البنك وبين الحكومة فجاءت الاستقالة.
إن حالة الفساد المتعلقة بالحسابات المليونية التي لُوثت بها حسابات الأعضاء هي واحدة من مظاهر الفساد الذي ران على صفاء صفحة البلد، وفي اعتقادي أن سببه هو الحكومة التي إن لم تكن ساهمت فيه مباشرة، فقد دعمته ورعته وتعمدت تركه ليتزايد إلى ما وصل إليه، وهو ما يعني أنها فقدت أهلية بقائها.
وعليه، فإنه لا خير فينا إن لم نقلها في هذا الوقت، فيا رئيس الوزراء، استقل حفاظا على البلد، بعد أن ساد الفساد، ويا حكومة الحقي برئيس الوزراء بالاستقالة أيضا، ويا أعضاء مجلس الأمة استقيلوا، وليبدأ البلد صفحة جديدة بانتخابات نزيهة، أنتم جميعا خارج طبقتها السياسية، فوجودكم جميعا هو العبء الجاثم على البلد.
اللهم إني بلّغت،،
أضف تعليق