أقلامهم

جاسم بودي يريد حكومة ظل متخصصة تصحح المسار في البلاد دون أن ترفع شعارات سياسية وبلا كيان سياسي رسمي

حكومة ظل
جاسم بودي
 
تنفرد الكويت عن غيرها من دول العالم بأن بعض المعارضين فيها يستخدمون مصطلح «حكومة الظل» في معرض الهجوم أو الإساءة أو النقد، فنسمع مثلا أن من اتخذ هذا القرار هو «حكومة الظل التي تدير الأمور في الخفاء ومن خلف الستارة»، وأن من ألغى هذا القرار «هو حكومة الظل التي تتعارض مصالح أفرادها مع بقاء القرار».
حكومة الظل في الدول المتقدمة جزء من النظام السياسي شبه المنصوص عنه في الدساتير. هي كيان رقابي من جهة ومحفز لعمل الحكومة الرسمية من جهة أخرى، ولذلك نرى رؤساء حكومات أو جمهوريات يعقدون لقاءات معلنة وغير معلنة مع وزراء حكومة الظل قبل اتخاذ أي قرار في محاولة لإقناعهم بوجهة نظرهم أو لتعديل بعض بنود القرار بما يكفل المزيد من فاعليته وشعبيته.
في الكويت، وعلى عكس المهاجمين والمنتقدين، نقول إننا بحاجة إلى «حكومة ظل». حكومة ليس بالضرورة أن يكون لها كيان رسمي كما هو الحال مع الموالاة والمعارضة في الدول المتطورة، بل يمكن أن تشكل من مجموعة تضم مشرعين وأكاديميين وخبراء ومتخصصين وسياسيين على أن تكون فيها حصة مهمة للشباب الذين سيتولون قيادة المستقبل الكويتي.
نريد حكومة ظل، لا ترفع شعارات سياسية ولا تحمل لافتات ولا تسير في تظاهرات، فهذه الأمور مكفولة للجميع بالدستور ولها أربابها وروّادها ورموز الحراك الشعبي وهي من ميزات نظامنا الديموقراطي الذي يكفل حرية التعبير للجميع في إطار القانون.
الحكومة التي نريدها هي حكومة يحمل كل فرد فيها ملفا واحدا. ليكن اسمه الاشغال أو الاتصالات أو الصحة أو التربية أو النفط… يدرس كل تفاصيله ويقف على كل مشكلات القطاع ويطلع على أهم المستجدات العالمية ويبحث الإمكانات الواقعية للتطوير أو التعديل. يتحدث بلغة تقنية ولغة الأرقام بعيدا عن النظرة الى المرحلة الانتخابية المقبلة أو صناديق الاقتراع. وزير في حكومة ظل همّه الاول والأخير تطوير القطاع الذي يحمل ملفه وعرض أفكاره على الوزير الرسمي أو رئيس الوزراء أو يلجأ الى السلطة الرابعة بدراساته وأرقامه وأفكاره وحلوله. فإذا كانت وجهات النظر متفقة مع بعض الاختلافات البسيطة فالخير في جهده، واذا كانت وجهات النظر متباعدة فالخير أيضا في جهده وعلى الوزير المختص درس الاقتراحات وإعطاء رأيه في صحتها أو عدم صحتها. أما الرأي العام فهو الحكم.
طبعا، كان الأجدر بتلقف الفكرة والمبادرة إليها مجموعة من النواب الذين يعتبرون الانكباب على درس الملفات جوهر وجودهم على مقاعد الرقابة والتشريع، لكن شهادتنا في هذا الموضوع نتركها للرأي العام، مع الأمل الدائم في إقدام بعض النواب على هذه الخطوة لأنها تُعبر فعلا عن حجم التحضر والتطور والرغبات الصادقة في التغيير نحو الأفضل.
تخيلوا مثلا لو أن مجموعة من قانونيين وأكاديميين واقتصاديين وإعلاميين ونواب ومسؤولين حاليين وسابقين عملوا على جرد مختلف أوجه الفساد المالي والاداري في قطاعات الدولة كلها، وحملوا الملفات المثقلة بالأرقام والمستندات إلى الجهات المعنية لمعالجتها أو الى المجلس والسلطة الرابعة في حال لمسوا تهربا أو قصورا في المعالجة.
وتخيلوا لو أن الشباب وبعض المخضرمين التربويين شكلوا سابقا وزارة ظل للتربية والتعليم العالي وبحثوا وناقشوا الملف الجامعي والمخرجات وأسواق العمل بعد التخرج والابتعاث الى الخارج والتخصصات وتطوير الجامعات والمعاهد. ملفات يعملون على إنجازها بلغة الواقع والامكانات والأرقام. يعرضونها على الوزير الرسمي ويبحثونها مع المجاميع الطلابية وقيادات الجامعة. اقتراحات تتضمن تعديلات جوهرية وحلولا لمعضلة الإمكانات اللازمة.
وما يسري على الشباب يسري على الأطباء والمحامين والمهندسين وغيرهم، خصوصا أن الكويت يمكنها، بفضل دستورها وقوانينها وتميز العلاقة فيها بين الحاكم والمحكوم، ان تكون هي الرائدة في هذا الأمر لأن القلوب مفتوحة قبل الأبواب ولأن المسار الذي يتخذه الحراك السياسي والشعبي لا يسر صديقا ولا عدوا.
فكرة نريدها لتصحيح المسار وتأسيس ثقافة مشاركة فاعلة ومختلفة في النظام السياسي قائمة على إدراك المواطن فعلا لحجم التحديات التي تعترض مسيرة التنمية والتطوير وعلى القصور الذي يرتكب وتغطيه التسويات السياسية أو الصفقات بين المجلس والحكومة… لكنها فكرة قد لا تجد طريقها الى التنفيذ في زمن صار الصياح فيه سيد الموقف والتأزيم قائد اللعبة والمطالب الخاصة جسرا للعبور إلى الشعبية والكراسي.
حسبنا أننا اجتهدنا في العلن… لا في الظل.