مناقشة لاقتراحات شبابية طموحة!
أحمد الديين
قدّم شباب 16 سبتمبر مجموعة اقتراحات وتصورات حول الإصلاحات الدستورية والسياسية التي يرون ضرورة تحقيقها، وهذه نقطة تُسجّل لهم من حيث محاولتهم بلورة محتوى تحركهم المطالب برحيل رئيس الحكومة، ناهيك عما ينطوي عليه تقديم هذه الاقتراحات من نقلة نوعية إلى مستوى جديد لا يكتفي بشعار رئيس جديد لحكومة جديدة بنهج جديد، وإنما ينتقل إلى شعارات واقتراحات طموحة تتمثّل في الدعوة إلى تحقيق “الإمارة الدستورية” وإقامة “الحكومة المنتخبة” و”تنقيح الدستور” مع استحداث آليات “الاستفتاء العام” و”الدائرة الانتخابية الواحدة” و”التمثيل النسبي”.
وليس من حق أحد أن يحظر على شباب 16 سبتمبر حقّهم الديمقراطي المشروع في تقديم ما يرونه من اقتراحات وتبني ما يدعون إليه من مطالب، ولكن من الواضح أنّ هذه الاقتراحات والمطالب تحتاج إلى مزيد من التبلور والتدقيق والتشذيب، ومن الواضح أيضا أنّ بعض هذه الاقتراحات والمطالب مثير للجدل وربما للاختلاف حول أولوياتها وسقفها ومضامينها ونتائجها، ومن الصعب القول إنّ هناك الآن توافقا وطنيا حولها، وسيحتاج الأمر إلى وقت طويل وجهد كبير من أجل إقناع الرأي العام الشعبي بها… ولكن هذا كله لا يعني بحال من الأحوال مصادرة حقّ مجموعة شباب 16 سبتمبر أو غيرها من المجموعات الشبابية أو الأطراف السياسية أو الكتل النيابية من طرح ما لديها من اقتراحات وتصورات لتحقيق الإصلاح السياسي وتطوير نظامنا الدستوري.
وأبدأ بالإمارة الدستورية الذي دعا إليها شباب 16 سبتمبر وهي لا تختلف كثيرا عن الملكية الدستورية التي تمثّل نقيض الملكية المطلقة في إطار النظم الوراثية، بحيث تكون سلطات الملك أو الأمير مقيّدة بالدستور وليست مطلقة… ودستورنا الحالي على الرغم من نواقصه وكونه مجرد “دستور الحدّ الأدنى” إلا أنّه يضع أسس الحدّ الأدنى للإمارة الدستورية… وفي ظني أنّ رفع شعار “الإمارة الدستورية” يمكن أن يثير لغطا والتباسا، بينما قد يكون الأنسب لتطوير نظامنا الدستوري رفع مطلب الانتقال إلى النظام البرلماني الكامل، مثلما هي الحال في الملكيات الدستورية الديمقراطية، بدلا من الصيغة الوسيطة التي يقوم عليه دستورنا بين النظامين البرلماني والرئاسي… فالنظام البرلماني هو مآل التطور الديمقراطي في ظل النظم الوراثية من ملكيات وإمارات دستورية، وهذا ما تبلّور في الربيع العربي ضمن حراك الشعبين المغربي والأردني، وكان مطروحا ضمن شعارات حراك الشعب البحريني، وذلك قبل أن يطرح بعض المتطرفين “التحالف من أجل الجمهورية”!
إنّ النظام البرلماني هو المدخل الصحيح لمطلب “الحكومة المنتخبة” الذي رفعه شباب 16 سبتمبر، لأنّ شعار “الحكومة المنتخبة” يبدو ملتبسا… وبالطبع فإنّ تحقيق هذا يتطلب تنقيحا للدستور… ولئن كان هناك رفض شعبي سابق للمشروعات السلطوية السابقة لتنقيح الدستور، فإنما كان ذلك بسبب المحتوى غير الديمقراطي لذلك التنقيح، أما التنقيح الديمقراطي للدستور باتجاه تعزيز الحريات والحقوق الديمقراطية فهو تنقيح مستحق للانتقال من “دستور الحدّ الأدنى” إلى دستور ديمقراطي يقيم نظاما برلمانيا، ولكن التنقيح يتطلب توافر ميزان قوى مواتٍ، ومن بين ذلك خلق رأي عام شعبي يتبنى مثل هذا التنقيح، وهو أمر يبدو أنّه لا يزال يحتاج إلى جهد ووقت.
أما استحداث آلية “الاستفتاء العام” التي اقترحها شباب 16 سبتمبر، فهي آلية معتمدة في بلدان ديمقراطية عديدة، ولكن المؤسف أن هذه الآلية تعرضت للتشويه وإساءة الاستغلال في ظل الأنظمة العربية الاستبدادية الفاسدة التي اعتمدتها للتلاعب على التمثيل النيابي الديمقراطي السليم، وعلينا أن نتذكر أنّ قرارات الانقلاب الأول على الدستور في العام 1976 تضمنت استحداث مثل هذه الآلية، التي لا ينصّ عليها الدستور، وقد جوبهت بالرفض حينذاك وسقطت مع سقوط ذلك الانقلاب السلطوي على النظام الدستوري.
وأخيرا فقد دعا شباب 16 سبتمبر إلى استحداث نظام “الدائرة الانتخابية الواحدة” و”التمثيل النسبي في الانتخابات التي يتم خوضها وفق نظام القوائم”، وهما آليتان تتطلبان أولا مزيدا من البحث حولهما، وتتطلبان ثانيا تدارك ما قد يخشى أن ينتج عنهما من تكريس أو ربما تطوير للمحاصصات الطائفية والقبلية والفئوية والمناطقية في التصويت الانتخابي وتوزيع المقاعد النيابية، بالإضافة إلى ضرورة أن يسبق تطبيق مثل هاتين الآليتين وجود حياة حزبية منظمة.
وهذه وغيرها من ملاحظات يفترض أن تكون محل اهتمام شباب 16 سبتمبر الذين أطلقوا اقتراحاتهم الطموحة، ولكن من واجبهم أن يستمعوا إلى ملاحظات الآخرين عليها وأن يدركوا أنّ الأهم هو تحقيق توافق وطني واسع حول استحقاقات الإصلاح السياسي والتطوير الدستوري، وليس أن ينفرد بها طرف واحد مهما كانت صحة اقتراحاته.
أضف تعليق