كتب أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان في جامعة الكويت الدكتور ثقل سعد العجمي دراسة حول السبل القانونية للتعامل مع الفساد النيابي خارج الحدود الإقليمية لدولة الكويت.
وتأتي هذه الدراسة تزامناً مع الغضب الشعبي على الرشاوى المليونية التي تورط بها عدد من النواب.
وبين د.العجمي في دراسته كيفية التعامل مع شبهات الفساد النيابي إذا خرج هذا الفساد عن نطاق الحدود الإقليمية للكويت إلى دول أخرى ملتزمة باتفاقيات دولية، مستشهداً بإحدى النائبات التي أودعت مبالغ مالية لدى أحد بنوك دولة الإمارات.. وهنا تفاصيل الدراسة:
تشير بعض التسريبات الصحفية إلى أن نائبة من نوائب الدهر في مجلس الأمة هي من ضمن قبيضة المجلس, غير أنها لم تقم بإيداع المبالغ المليونية التي تحصلت عليها في أي من المصارف الكويتية, بل قامت بإيداعها في مصارف إماراتية لأنها –كما تعتقد- سوف تكون بمنأى عن أية عملية تبليغ عن أية معاملة مالية مشبوهة تلتزم المصارف الكويتية بالقيام بها في مواجهة بنك الكويت المركزي ويلتزم هذا الأخير بالتفتيش والتحري والتبليغ عنها وذلك لأن القوانين ذات الصلة –كما تعتقد هذه النائبة- ذات طابع إقليمي, أي أنها لا تسري إلا في إقليم دولة الكويت ولا تتعدى هذا الإقليم.
والحقيقة التي لا تعلمها هذه السيدة هي أن جرائم الفساد قد أصبحت وبفعل بعض الاتفاقيات الدولية هي جرائم عالمية تختص بها غالبية دول العالم وتلتزم بمكافحتها طبقا لمجموعة من الالتزامات الدولية, والتي سوف نبينها لاحقا، ولكن قبل ذلك كله يجب التنويه الى أن سلطات التحقيق في الكويت يجب أن لا تقتصر في تحقيقاتها على أعضاء مجلس الأمة المبلغ عنهم من قبل البنوك المحلية, بل يجب أن تمتد دائرة التحقيق – وما يستتبعها من تحرٍ واستقصاء جنائيين- إلى جميع أعضاء مجلس الأمة, إذ إن بلاغات البنوك قد بينت أن هناك جرائم خطيرة وواسعة ارتكبها أعضاء السلطة التشريعية, وهذا أيضا هو ما ذكره بعض المسؤولين في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية (وأيضا بعض التقارير الدولية كالتقرير الصادر من البنك الدولي) فالمسألة ليست مجرد إشاعة لا يجب التعامل معها جديا, بل يجب أن يكون هذا التحقيق متناسبا مع خطورة هذه الجريمة واتساعها ولا يقتصر على أشخاص بعينهم, وهذا الأمر هو ما درجت عليه سلطات التحقيق فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب في أية إدارة أخرى من إدارات الدولة حيث تشمل في تحقيقاتها كل الأشخاص العاملين في هذه الإدارة الذين يشتبه في ارتكابهم للجريمة محل التحقيق.
وبذلك تستطيع جهات التحقيق أن تمد كل إجراءاتها القانونية ليس فقط في إقليم دولة الكويت, بل في أقاليم دول أخرى من خلال طلب رسمي يقدم للجهات المختصة في تلك الدول، فالإمارات العربية المتحدة –التي جاء ذكرها كبلد للإيداعات المالية غير المشروعة لهذه النائبة- هي دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003 (ملاحظة: عدد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية هو 154 بما في ذلك دولة الكويت) حيث انضمت إليها في 22/2/2006 , وهي أيضا دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لعام 2000 (ملاحظة: عدد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية هو 164 بما في ذلك دولة الكويت) حيث انضمت إليها في 7/5/2007, إذ إنه بموجب هذه الاتفاقيات الدولية تلتزم دولة الإمارات العربية المتحدة في مواجهة الكويت بالقيام بكل ما يلزم في سبيل التعاون الدولي من أجل مكافحة جرائم الفساد كالرشوة وغسيل الأموال, ومن هذه الالتزامات التي يجب على السلطات المختصة في دولة الإمارات العرابية المتحدة القيام بها في حال التقدم إليها بطلب من قبل السلطات المختصة في دولة الكويت ما يلي:
– المساعدة في التحقيقات والملاحقات والإجراءات القانونية
– تنفيذ عمليات التفتيش والحجز والتجميد
– تقديم أصول المستندات والسجلات المطلوبة, بما في ذلك السجلات الحكومية أو المصرفية أو سجلات الشركات أو المنشآت التجارية
– تجميد العائدات الإجرامية
– مصادرة الأموال المتحصلة عن جريمة
– استرداد الأموال والموجودات
ولا يجوز للسلطات الإماراتية رفض تقديم هذه المساعدة بحجة السرية المصرفية كما نصت على ذلك صراحة هذه الاتفاقيات الدولية. والحديث هنا ليس قاصرا على دولة الإمارات العربية المتحدة, بل قد يمتد ليشمل كل الدول الأطراف في هذه الاتفاقيات الدولية, حيث تستطيع السلطات المختصة في الكويت طلب أية مساعدة بما في ذلك طلب إجراء تحريات مالية بخصوص أشخاص محددين من كل الدول الأطراف في هذه المواثيق الدولية.
أضف تعليق