أقلامهم

منى العياف تكتب عن قضية أمن دولة وفضيحة في دائرة الإحصاءات

قضية «أمن دولة!»
منى العياف


أقل ما يقال في هذا الأمر.. انه «عبث بأسرار الدولة.. وعبث بمستقبلها!».


لا أبالغ.. ولا أهوّل.. وإنما هي الحقيقة وإن كان البعض لا يراها أو لا يقرها!


والذي حدث ان الدولة ممثلة في الإدارة المركزية للإحصاء، والتي يتولى إدارتها د.عبدالله سهر.. تعاقدت مع إحدى الشركات لإجراء التعداد السكاني (إحصاء 2011) والموضوع الى هنا يبدو عاديا، لكن ما تكشف بعد ذلك هو الذي ينبئ عن كارثة.. وفضيحة وكأننا تنقصنا كوارث ومصائب، ولا يكفينا فضائح.. وآخرها ما يسمى بالفضيحة المليونية!


ففي تصريح للدكتور عبدالله سهر (الوطن بتاريخ 9/9) تحت عنوان «صرف نصف مكافآت العدادين» نفهم ان المشاركين في التعداد من العمالة التي تعمل لدى الشركة المتعاقد معها بنظام المكافآت، وان هؤلاء العمال تقدموا بشكاوى نتيجة عدم صرف مستحقاتهم، ونعرف ايضا من تصريح د.سهر انه لا يعتبر الإدارة المركزية للإحصاء طرفا مع الشركة المتعاقد معها في العقد، وان الإدارة لا تتدخل في العلاقة الوظيفية بين الموظف وشركته، وان تأخر الشركة في صرف المكافأة يعود الى حاجة الشركة لضمان دقة المعلومات التي قدمها العاملون، ومحاسبة المقصرين منهم في حال ثبت تقاعس أحدهم، مبينا ـ اي الدكتور ـ ان الشركة قامت بصرف نصف المكافأة على الأقل قبل ان تطالبها ادارة الإحصاء بذلك!


ويمضي د.سهر ـ لا فض فوه ـ في تفسيراته ودفاعه العجيب لا ندري عمن بالضبط، فيقول ان الشركة ترى ان صرف المكافأة كاملة للموظفين مرتبط بجانب مهني مع موظفيها، وان الادارة رغم انها ليست طرفا في الموضوع الا اننا لن نتقاعس عن دعم الحقوق!


السؤال: عن أي حقوق بالضبط تتحدث يا دكتور سهر؟ حقوق عمالة وافدة كلفت بمهمة خطيرة مثل هذه المهمة، وتتشكك الشركة التي وظفتها انت في صحة البيانات والمعلومات التي كلفتها بالحصول عليها؟ ام حقوق الشركة؟ ام حقوق العمال الذين لم يحصلوا على حقوقهم منها؟!


ما هذا الخلط الرهيب للأوراق؟ انها والله لفضيحة تفوق ما يطفو على السطح من لغو الفضائح هذه الأيام، هذه هي الكارثة الحقيقية التي ينبغي الالتفات اليها من الحكومة ومن مجلس الأمة ومن جهاز الأمن القومي، لأن ما سبق بالفعل عبث بمستقبل الدولة!


إنني أتساءل والأسئلة هنا موجهة للكل لا أستثني أحدا: هل يجوز ان نفتح بطن الكويت هكذا وان نخرج أسرارها لإحدى الشركات التي مهمتها في النهاية الربح فقط، اي انها عملية تجارية ليس أكثر؟!


هل يجوز ان نتعاقد مع شركة ما تعتمد على عمالة غير وطنية، لنسمح لها بدخول بيوتنا، والتعرف على أسرارنا، وكم يبلغ عدد نسائنا ورجالنا وأطفالنا وكبارنا وصغارنا.. بدونا وحضرنا، سنتنا وشيعتنا؟!


هل يجوز ان نترك مثل هذه الأسرار الخطيرة بيد عمالة لا نعرف من أين أتت ولا لأي دولة أجنبية تنتمي؟! هل يجوز ان نترك أمراً كهذا لعمال يمكن ان يضربوا عن عملهم من أجل مستحقاتهم.. دون ان نتوجس خيفة من أنهم قد يتاجرون بهذه الأسرار لنفس الغرض؟! وإذا كان هؤلاء على مستوى ما من النزاهة واحترام الحرمات، فمن أين تأتي بالثقة في دقة المعلومات.. إذا لم يحصلوا على حقوقهم، وحتى اذا لم يحصلوا عليها؟!


السؤال الأهم: من الذي صاغ بنود التعاقد مع هذه الشركة؟ ومن الذي طرح مثل هذه المناقصة الكارثية لشركة لا تملك عمالة وطنية تقوم بهذه المهمة التي تخضع دقة المعلومات فيها ـ باعتراف الشركة ـ للرضا الوظيفي لمنتسبيها ووفقا لقاعدة «أكل العيش!» من صجكم؟! أو بالأحرى من صجك يا دكتور؟!


كيف لم ينتفض المسؤولون عندما ظهرت مثل هذه الكارثة، وكيف تقبلتم ان يقوم بالتعداد السكاني لمعرفة وحصر وإحصاء «عروقنا»، مجموعة موظفين لا نعرف عنهم شيئا؟! مع ان مهمتهم تقترب من مهام عمل الأجهزة الحساسة وترتبط بالأمن القومي للدولة!


انني ـ وبكل وضوح ـ أعتبر ما جرى اختراقا حقيقيا لأمن الدولة، وهو اختراق غير مقبول، ونتائجه وخيمة، لأنه يتيح لمن يرغب ان يعرف أسرارنا، وتفاصيل ودقائق معلوماتنا، فمثلما نحن نريد ان نبني على هذه المعلومات خططنا للمستقبل هناك من يريد ان يعرف ما هي هذه الخطط، وربما ما اذا كانت تتناسب مع أهدافه وطموحاته في المنطقة أم لا؟


يا إخوان.. يا حكومة: نريد ان نطمئن.. ونريد بيانا صريحا واضحا حول معايير إسناد هذه المهمة للشركة التي قامت بها.. وهل هي معتمدة عالميا وما بنود التعاقد، ومعايير حفظ الأسرار.. فهذه ليست شركة عمالة «تنظيف» وإنما هي قضية أمن دولة!


والعبرة لمن يتعظ