اقتصاد

في حوار لـ ((سبر)) حذر من كارثة اقتصادية أحد مؤشراتها "إصرف ما في الجيب"
جاسم السعدون: الكويت تتجه نحو التدمير.. والإيداعات المليونية إحدى حالات الانفجار طويل الأمد

نقطف ثمار سياسة فاسدة حينما تغاضينا سابقاً عن سرقات قطاع النفط والاستثمارات الخارجية 


الكل يريد أن يقتسم الدولة.. الفاسدون من جانب والمطالبون بالكوادر من جانب آخر


“راح ناكل في لحم الحي”.. لو هبط النفط مثلما حدث في 2008 من 140 دولاراً إلى 33


الأسرة الحاكمة تملك 80 % من السلطة.. والمشكلة ليست في الأشخاص بل في النهج


الديمواقراطية الموجودة في الكويت “معوجة”.. ولب المشكلة في مجلس الوزراء


الكويت تحتاج إلى عملية جراحية للخروج من أزماتها


عملية التخريب في البلد بدأت منذ تزوير الانتخابات في 1967


بمشرط الجرّاح، فتح الورم السرطاني الذي تعاني منه الدولة، وأجرى لها عملية جراحية، لم تكلل بعد بالنجاح، لأن هناك أطباء آخرين يجب أن يقوموا بدورهم بعد إجراء العملية، حتى تصل الدولة إلى مرحلة من الشفاء التام، وإلا فلا جدوى.


إنه الخبير الاقتصادي البارز ومدير مكتب الشال للاستشارات الاقتصادية جاسم السعدون، الذي أجرى العملية وأخذ عينة من الورم المتمثل في الحالة السيئة التي يعاني منها على أكثر من صعيد، ولا سيما سياسياً حيث تطفو على السطح فضيحة الإيداعات المليونية، وما انطوت عليه من شبهات فساد طالت رؤوساً كثيرة في البلد.


بدأ السعدون حديثه لـ ((سبر)) متناولاً القضية الأبرز وهي الإيداعات المليونية، حيث وصفها بأنها حالة من حالات الانفجار طويلة الامد، ولأن القضية مرتبطة بـ “عملية تخريب”، عاد السعدون بالذاكرة إلى 44 سنة وتحديدا في العام 1967، حيث بدأت عملية التخريب بتزوير الانتخابات، آنذاك، ثم بالتعدي على الدستور سنة 1976 بحل غير دستوري.


وعزا السعدون تلك الحالة المتردية إلى التغاضي سابقا عن سرقة قطاع النفط وسرقات الاستثمارات الخارجية في أواخر الثمانينات، “لذلك نحن نقطف ثمار سياسة فاسدة”، مشيرا إلى أن الكل يريد ان يقتسم الدولة، الفاسدون من جانب والمطالبون بالكوادر من جانب آخر والنتيجة النهائية على حساب استقرار البلد.


وحذّر من كارثة اقتصادية سيدفع ثمنها ليس من هم في السلطة بل الصغار، موضحا أن 51% من سكان الكويت تحت (21) سنة، وهؤلاء قادمون يحتاجون إلى تعليم وإلى صحة وسكن ووظيفة، نحن نبيع مستقبلهم برخص الثمن لكي نستمتع سنتين أو ثلاثا او خمس سنوات قادمة.


وقضايا كثيرة تطرق إليها السعدون في الحوار التالي، فإلى التفاصيل:


ماذا تتوقع لقضية الإيداعات المليونية؟


– أولا اعتقد أن الايداعات المليونية حالة من حالات الانفجار طويلة الأمد، كما أعتقد أن عملية التخريب بدأت حينما تم التعدي على الدستور، بحل غير دستوري سنة 76 وقبلها تزوير الانتخابات سنة 67 ثم تفتيت الدوائر سنة 81، وحل مرة أخرى مجلس الأمة وأعتقد أن الغرض كان هو النزاع الذي حدث بين أشخاص في السلطة والدستور الكويتي، وكان الغرض هو العودة على مشروع الحكم على حساب مشروع الدولة.. والدستور وضع الاساسات لمشروع الدولة، وأشخاص في الحكم أرادوا ان يقيموا مشروعا في الحكم أسوة بالمنطقة العربية للأسف، والنتيجة هي أنهم لكي يصلوا الى هذا كان لا بد من استخدام الرشوة، الرشوة بالخدمة والرشوة بالوظيفة والرشوة بالمال، فهي عملية متسلسلة طويلة وعملية تخريب لأساسات الدولة انفجرت في الإيداعات المليونية.. الكل كان يعرف أن هناك رشاوى لكن لم يكن يعلم عن حسابات منتفخة بهذه الطريقة الساذجة، ونشر البعض هذه الحسابات أدى الى الشعور العام بأن الوضع أسوأ بكثير مما كنا نعتقد، لكن الوضع كان سيئا من أساسه، الآن علينا ألا يغيب عن تركيزنا ولو للحظة أن صلب القضية هي عملية تخريب طويل الأمد وان فيها راشيا ومرتشياً، وإدخال أي أطراف أخرى هو عملية لتذويب هذه القضية وتحويلها أو الى لفت قرارات سياسية مثل حل المجلس وحل الحكومة ايضاً ففيها نوع من التهرب من مواجهتها.


وأعتقد أننا نقطف ثمار سياسة فاسدة، لما تغاضينا عن سرقة قطاع النفط في أواخر الثمانينات، وتغاضينا عن سرقات الاستثمارات الخارجية أيضاً في اواخر الثمانينات وفي أثناء فترة الاحتلال، فكانت النتيجة أن الكل شعر بالأمان وبأن الفساد طريق سريع لتحقيق الثروة، والإيداعات المليونية هي رأس الجبل والآن علينا ان نفتت رأس الجبل ونسوّيه بالأرض، لذلك أعتقد انه بغض النظر عما يحدث سياسياً بحل الحكومة أو حل مجلس الأمة، يجب ان تكون هذه قضيتنا حتى نستأصل جذور الفساد وان نتتبع كل المشاركين والمتسببين فيها، وبغير ذلك لن تصبح الكويت آمنة ولن يكون لديها مشروع تنمية، ولن تصبح بلداً نفخر به، لا نحن ولا أبناؤنا، بل مزيد من السوء، مزيد من التدمير في كيان البلد، وهذا ليس في مصلحة احد، لذلك علينا ان ندفع ضريبة قد تكون كبيرة، لكن لا مناص من دفعها.


نتائج كارثية


ما الآلية المناسبة للتعامل مع هذه القضية؟


– علينا أن نسير في ثلاثة اتجاهات، صحيح إن من يقرأ قانون غسيل الاموال قد يشعر بالرعب، فـ “قانون غسيل الاموال رقم 35/2002” يعرف الإيداعات المشبوهة بأنها الإيداعات المتحصلة من جريمة، لكن واضح من تكييف الجريمة أن ليس بينها رشوة سياسية، وخوفي إذا أخذنا مسارا واحدا وهو طريق القضاء، نصل الى نتيجة غير طيبة، لذلك أعتقد -وهو الاتجاه الثاني- ان تستمر السلطات الدستورية في متابعتها وأولويتها في المجلس القادم او الحكومة القادمة، كما أنه يفترض في موضوع من يبيع صوته ومن يشتري الصوت ايضاً أن تكون قضية خيانة عظمى للوطن لان اليوم باعه لأحد في البلد غداً سيبيعه لأحد خارج البلد، فهي خيانة عظمى ويجب ان تعامل على هذا الاساس.


اما الاتجاه الثالث فربما أهم من المسارين وهو تجييش كل مؤسسات المجتمع المدني وكل قادة الرأي العام للإبقاء على هذه القضية حية وللاستمرار في الذهاب لآخر مدى مع القضية، حتى ولو كان هناك احتمال ان تفتر همة السياسيين سواء في الحكومة أو المجلس، وبدون نهاية سعيدة لهذه القضية ستكون النتائج كارثية، وهناك سابقة -كما ذكرنا- وهي السرقات السابقة وأهملناها لأسباب للأسف سياسية بحتة، فوصلت الحال الى ما هي عليه الان، وأمامنا فرصة ثانية، الكل يعرف الكل مجيش، علينا ان نأخذ هذه القضية الى مداها الأخير وان نرى رؤوسا كبيرة في السجن وبالتالي تصل الرسالة والغرض ليس الانتقام من هؤلاء الناس وإنما حماية البلد من آفة الفساد.



كيف تنظر الى المستقبل المالي بالكويت؟


– هناك وضعان: الوضع المالي والوضع الاقتصادي، مالياً على المدى القليل المتوسط لا تبدو هناك مشكلة، فإنتاج النفط طبقاً لوزير النفط  2.8 مليون برميل ووصل السعر إلى اكثر من 100 دولار، لكن رغم هذا فإننا نعيش كارثة اقتصادية حقيقية وأحد مؤشرات هذه الكارثة هو اعتماد مبدأ (اصرف ما في الجيب على ما يأتي ما في الغيب) وما في الغيب لن يأتي، بمعنى اننا لو عملنا إسقاطا صغيرا على المستقبل من الماضي نلاحظ أن نفقاتنا العامة كانت 4 مليارات الى سنة 2000 واليوم نفقاتنا قريبة جداً من 20 مليارا، واذا استمر النمو على ما هو عليه نحتاج إلى أن ننتج نفس الكمية من النفط لكن بسعر 280 دولارا على 2020 حتى نواجه متطلباتنا الحالية وهذا غير ممكن، وبالتالي هذه كارثة في الجانب الاقتصادي حتماً.


ثالثاً وبغض النظر عن كيف نصنف انفسنا، سياسياً مناطقياً -سمها ما شئت- فإن القادمين الى سوق العمل سيبلغ عددهم خلال عشرين سنة أو أقل (520) ألفا، ونحن الان عاجزون عن توفير وظائف لـ 286 ألف موجودين حالياً، فالحكومة الان ماذا ستفعل بضعف العدد القادم؟ الكل يريد ان يقتسم الدولة، الفاسدون من جانب والمطالبون بالكوادر من جانب آخر والنتيجة النهائية على حساب من سيكون ذلك، على حساب استقرار البلد، على حساب عجز توفير الوظائف وفرص العمل، للأسف الشديد على حساب عجزها عن ان تكون منافسة في انتاج اي شيء، لذلك نحن على المدى الطويل نسير باتجاه كارثة اقتصادية ومن سيدفع ثمنها ليس من هم في السلطة بل الصغار لأن 51% من سكان الكويت تحت (21) سنة، هؤلاء قادمون يحتاجون إلى تعليم يحتاجون إلى صحة وسكن ووظيفة، نحن نبيع مستقبلهم برخص الثمن لكي نستمتع سنتين أو ثلاثا او خمس سنوات قادمة.


الكساد العظيم


هناك أزمة مالية قادمة شبيهة بتلك التي اجتاحت العالم في 2008 ما مدىى تأثر الاقتصاد المحلي بها؟


– الأزمة في 2008 مبدئياً تجاوزها العالم لكن العالم وقع في أزمة أخرى في سنة 2011، ففي 2008  كانت الأزمة أزمة شركات مالية أسرفت بالاقتراض وعجزت عن مواجهة التزاماتها، التقطتها حكومات وتحول نموذج العمل المغامر من الشركات الى الحكومات فأصبحنا الآن نعرف أن هناك خمس دول في أوروبا ضمن منطقة الوحدة النقدية الأوروبية تواجه مشكلة حقيقية وأقصد في ذلك (إيرلندا، اليونان، البرتغال، ايطاليا، اسبانيا) وبالتالي أصبح لدينا الآن قنبلة موقوتة في جسد منطقة اليورو، الى جانب ذلك هناك مشكلة لدى الأمريكان الذين بلغ دينهم العام 100% من ناتج حجم اقتصادهم والسقف مفتوح بأن يزيد على ذلك.


فالعالم عنده شيء مريح وشي مزعج، بالجانب المريح كل العالم يعرف أن هذه الازمة حدثت سنة 1929 وسبب عدم علاجها هو عدم الاتفاق من قبل كل العالم على أن يواجهها، فاستمر الكساد الذي سمي بالكساد العظيم وقتها إلى 17 سنة وقاد الى الحرب العالمية الثانية لكي يخرج العالم من أزمة ركود الكساد 1929، لذلك العالم واع جداً للتبعات، وتجد ان الصين تشتري ديون أمريكا وتشتري ديون أوروبا وتحاول ان تعينهما على تخطي هذه الأزمة لأنه بدونهما لا تستطيع ان تبيع سلعها وخدماتها وبالتالي هي تنمو أيضاً وتنتقل المشكلة إليها، وهذا الجانب الإيجابي الذي يبشر مهما  كانت الضغوط، لكن هل هناك احد يستطيع ان يجزم بأن هذه المشكلة لن تحدث؟ لا أحد.. الآن في هذه اللحظة بات هناك شك بأن اليونان لا تستطيع ان تواجه ديونها والمشكلة ليست باليونان، لأن اقتصادها صغير، لكن ماذا لو حدث باليونان امتناع عن السداد وخروج من منطقة اليورو؟ هنا عامل غير مرئي وهو مستوى الثقة لأداء مستوى الاقتصاد العالمي، فأكثر ما يصيب العالم هو الجانب النفسي اكثر من الجانب الفعلي، يمكن ان يحصل شيء غير متوقع، وربما شيء خطر، فبالأمس “ستاندرد اند بورز” وهي شركة تصنيف عالمي خفضت تصنيف إيطاليا السيادي من “A+” إلى “A”، هذا أيضاً له جانب نفسي مثلما حدث في تخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة قبل شهر.


إذا استمرت الضربات بالثقة متلاحقة أعتقد ان هناك احتمالا لأن ينتكس الانتعاش الذي حدث بعد 2008 وندخل في ما يمسى “الركود المزدوج”، الآن الركود المزدوج الى حدود معينة مقبولة وحينما يكون نموا متباطئا أو حتى سالبا قليلاً مثلما حدث في 2009 ونما الاقتصاد العالمي ناقصا نصفا بالمئة بالإمكان تجاوزه، لكن إن استمر التدهور في مستوى الشعور بالثقة هنا يدخل العالم حقبة ما يسمى بالكساد، والكساد معناه ان يكون هناك نمو في الاقتصاد العالمي سالبا و”سالب كبير” بمعنى 4 أو 5% وأن يستمر فترة طويلة من الزمن، هذا ما يسمى بالكساد، الآن هل هذا احتماله كبير؟ اذا أعطيت احتمالا لنسبة الانتعاش فستكون 80% واحتمال دخول هذه الحقبة 20% ولو سألتني قبل سنة أقول لك 2.98% ومعدل الـ 80 و20 % ليس سهلا، لكن أعتقد ان يحدث بنسبة 4 إلى 1، بمعنى أن (4) لا يحدث و(1) يحدث، وهذا تطور سلبي.


محلياً لن يحدث شيء للكويت والسبب ان سعر النفط في حدود الـ100 الى 80 دولارا، فلن تكون هناك مشكلة كبيرة والاستثمارات الخارجية ستحافظ على أسعاره حتى لو انخفض قليلا لن تشكل خطراً لأن هناك طبقة شحم كوّناها في الفترة السابقة، والمطلوب في هذه الحالة ربما يكون صحيا اذا أدرك الساسة المحليون ان هناك مشكلة قادمة وبالتالي علينا ان نكون حصيفين وان نعمل على عدم انتقالها لنا عن طريق تعديل سياساتنا المحلية، ولو تحقق السيناريو الثاني وهو “سيناريو الكارثة” فستكون هناك مشكلة ضخمة وكبيرة أهم مكوناتها أننا الان بنينا اسعارا تعادل الميزانية لدينا، تقريباً (92) دولارا للبرميل، هي (88) دولارا لكن لو أضفنا الكوادر الجديدة ستصل الى (92) دولارا، الان لو هبط النفط دون (92) -في سنة 2008 هبط النفط من (140) الى (33) دولارا- في هذه الحالة “راح ناكل في لحم الحي” وستكون المشكلة بالنسبة لنا كارثية، وأيضا هذا سيتسبب في سحب كل سيولتنا واستثماراتنا الخارجية، والسيناريو هذا سيكون كارثة لو حصل.



هل تأثر القطاع الاقتصادي بالأوضاع السياسية الحالية؟


– بالتأكيد، والاقتصاد لم يكن أبدا شيئا منعزلا، بمعنى ان الدول التي نجحت في تجاربها التنموية مثل اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية الى نمو آسيا بالستينات الى فنلندا او إيرلندا لاحقاً في الثمانينات الى تجارب اكثر حداثة مثل تركيا والبرازيل في الـ 2000، كل هذه التجارب تزامن فيها الاستقرار السياسي وقوة الإدارة السياسية مع التقدم الاقتصادي، فإذا كانت الادارة السياسية غير كفؤة وكانت البيئة الحاضنة السياسية غير مستقرة ومضطربة فالنتيجة ستنعكس سلباً على الجانب الاقتصادي، وهذا الشعور بالمخاطر وعدم الثقة وعدم وضوح الرؤية يؤدي عادة الى انتكاس في الأداء الاقتصادي، لذلك الكويت تتعثر دائماً رغم وجود أموال ضخمة ناتجة عن بيع النفط حالياً، تجد ان الكويت اقتصادياً تتعثر، ونحتاج الى شعور عام بأن هناك قرارا بالبلد يتخذ بشكل صحيح، لذلك أعتقد أنها انعكست سلباً على الأداء الاقتصادي العام بالبلد.


ديمقراطية معوجة


من الذي يتحمل مسؤولية التراجع الذي تعيشه البلاد سواء في الجانب الاقتصادي أو في الجانب السياسي؟


– أنا لي رأي قديم قاطع في هذه القضية، يعني أنا أقول الكويت لا تنقصها الموارد ولا تنقصها الرؤية ولا تنقصها البنى التحتية ولا حتى البشر القادرين، دائماً أقول إن النجاح إدارة وإدارة وإدارة، أنا أعتقد أن العجز والعيب بالإدارة، وصلب العيب في مجلس الوزراء وصلب العيب على تشكيلته، على طريقة المحاصصة، اعط هذه الفئة وهذه القبيلة وهذه العائلة وصلب مجلس الوزراء مكون من الأسرة الحاكمة بغض النظر عن كفاءتهم وليس لدي اعتراض على أي منهم ان كان كفؤا، ثم تبدأ العملية بالتشكيل التمثيلي (حصص) ويكون مجلس الوزراء مسخا، لا لغة مشتركة ولا قدرة ولا كفاءة، وهي تملك 80% من السلطة، بيدها المال، بيدها الوظيفة والأمن وحتى قريبا كان بيدها كل الاعلام، وبالنسبة للمسؤولية أعتقد قاطعاً هي فشل إدارة والفشل ليس بالشخوص ولكن المشكلة في النهج، نهج المحاصصة في تكوين مجلس الوزراء هو لب المشكلة وبالتالي اعتقد أن معظم المشكلة يقع هناك، والمشكلة الثانية تقع في الجانب السياسي، فلكل منهما نسبة 80%، والديمقراطية بالكويت للأسف ليست ديمقراطية، اعتقد ان الديمقراطية تحتاج الى تذويب المجتمع تحت سلطة القانون، بمعنى المواطنة الشاملة، وألا يكون هناك تمييز بين الناس طبقاً لأحوالهم او لمناطقهم إنما طبقا للقانون والقدرة والكفاءة، أعتقد ان هذا لا يحدث، ويجب ان يكون التجمع ما بين الناس عن طريق الاحزاب وليس من خلال مناطق أو قبائل أو طوائف، اعتقد أن هذا لا يحدث وأعتقد ان السلطة التنفيذية يجب ان تتدارك نتيجة انتخابات مجلس الأمة بمعنى ان إرادة الشعب تختار أناسا والأغلبية تختار التشكيل الحكومي وتتعلم كيف تدير البلد ولها برنامج معد سلفاً وأعتقد هذا أيضا لا يحدث وهذا جانب من المشكلة من الديمقراطية المعوجة الموجودة في الكويت والتي تضمن دائما تشكيل مجلس الوزراء وما عاداه يأخذ فتات السلطة ويجب على القوى السياسية ان تتجمع كقوى سياسية وليس مناطقية او قبلية أو طائفية، لأن هذا الأمر يجب ان نتخلص منه.


حضرتم اجتماعات عدة للجنة المالية والاقتصادية البرلمانية لبحث تداعيات الأزمة المالية العالمية.. ما الانطباع الذي تكوّن لديكم عن هذه الاجتماعات؟ وهل تعتقدون ان مجلس الامة بإمكانه ان يكون فاعلاً في حماية اقتصادنا؟


– لقد شاركت خلال خمس سنوات في اللجنة المالية في التسعينات وحضرت اجتماعين او ثلاثة بعد الأزمة المالية ولم اكن كثير التردد، واعتقد ليس لدينا القدرة على مواجهة الازمات الكبرى، وبغض النظر عن وجهة نظري السياسية أرى ان ما يحتاج إليه البلد هو القول الحاسم حتى ولو استفاد خصمي، وأعتقد أن هذا الشعور لا يسود في مجلس الأمة ولا في الحكومة وبالتالي هناك شعور عام بأن الفساد مستشر وبعضه غير مبرر لأن يكون هناك مشكلة حقيقية، وفي العالم قضيتان مهمتان: الأولى تتعلق بالسلطتين التنفيذية أو التشريعية من حيث النمو في موارد البلد وأفضل طريقة ممكنة لخلق اكبر فرص عمل للمواطنين حتى لا تتحول الى مشكلة كبيرة في المستقبل.


والقضية الثانية مكافحة التضخم في الأجور والمكافآت، فالغرض ليس معاقبة الناس، الغرض ان تكون قادرا على الحفاظ على هذا النمو المستدام  حتى تخلق فرص عمل للقادمين من اجل أن تخلق من الاقتصاد اقتصادا قادرا على ان ينتج من السلع والخدمات ما يستطيع ان يبيعها للعالم اذا ارتفعت تكلفة الانتاج، انت تكافئ الناس على المدى القريب ولكن تعاقبهم على المدى البعيد، لذلك تجد الصراع الصيني الامريكي الآن، وتجد امريكا حانقة جدا على الصين لأنها تحاول ان تحافظ على تكاليف انتاجها منخفضة حتى تبيع الأمريكان أكثر مما يبيعون عليهم، أو على العالم كله، هل هذا يعني ان الصينيين لا يحبون ابناء بلدهم؟! لا، بل يحبونهم اكثر بكثير مما نحن نحبهم، فهم يحاولون قدر الامكان ان يضمنوا مستقبلهم، هذا الشعور العام الناضج، اعتقد هذا الشعور الغائب عن الحكومة عن الشؤون الاقتصادية والمالية في مجلس الامة، لذلك قد نبدو مرتاحين على المدى القصير ولكن اقتصاديا سنذهب الى كارثة، ومن سيدفع ثمنها الناس الذين ندافع عنهم، الناس الذين نعتقد الآن اننا نرضيهم، هؤلاء من يدفع التكلفة “والناس اللي عندهم فلوس مرحب بهم في كل مكان في العالم لو صار ما صار في البلد، والناس اللي ما عندهم هم من سيدفعون الثمن وهم أغلبية”، لذلك نعم انا لا أتفق لا مع النهج الحكومي ولا مع نهج اللجنة المالية لمجلس الأمة.


الدعم الفاسد 


ماذا عن التراجع المستمر لمؤشر البورصة.. هل يعود لأسباب خارجية أم داخلية؟


– أولا: التراجع نسبي، وأود ان نأخذ لمحات من التاريخ، فالأداء في 2009 لسوق الكويت للأوراق المالية كان سيئا، والأداء في 2010 كان -أعتقد- أفضل سوق تقريباً بالأسواق المشهورة مع أسواق الإقليم، كان رقم واحد، وكان الافضل ومؤشر البورصة (25%) وبقية الاسواق كانت دون هذا الرقم.. وفي (2011) حتى نهاية أغسطس كان ثاني أسوأ أداء السوق الكويتي، لذلك لو عقدنا مقارنة لن يكون سيئا بل سيكون بالوسط، وان قارناه في (2011) سيكون هو الأسوأ لان أداءه في (2010) كان أفضل، وثانياً كان هناك أكثر من مشكلة محلية: 1- صفقة زين 2- الحراك السياسي المتعلق بما إذا كانت الحكومة ستذهب او لا تذهب، وهذا عامل مؤثر 3- الوعي في التعامل مع السوق بالدعم القديم مثل دعم ايام المناخ او الدعم الذي ترغب فيه الحكومة، وهو شراء كل شيء وهناك الفصل بين القرار الاستثماري وقرار الدعم، لذلك أعتقد ان الحكومة غير قادرة على التمييز ما بين الشركات التي صارت من دون قيمة وبالتالي اشتريها استثمارا لاستخراج المال من ورائها وما بين الشعور بالحرج وتساؤلها لماذا لا يتم شراء هذه الشركة لأنها عاجزة وحكومة ضعيفة غير قادرة على الدفاع عن قراراتها، وبالتالي كان سيكون وضعنا أفضل لو كانت الحكومة قادرة على التمييز بين ماهو في مصلحة البلد وماهو الدعم السياسي وماهو الدعم الفاسد، لذلك نعم هناك عجز حكومي، والسؤال الآن: هل يستمر هذا؟ واضح حتى وان استمر سيكون على المدى القصير وبالتالي ليس علينا ان نقلق كثيراً على ما يحدث بالأسعار لأنه بالنهاية ستنقضي الحالة، قد نتأخر خمسة أشهر أو ستة لكن بالتالي ستنقضي هذه الحالة، وعلينا ألا نقلق كثيرا لمؤشر البورصة.


كيف تنظر الى اللجنة الاقتصادية التي شكلت حديثا؟


– أعتقد أن أعضاءها قاموا بمهمة شبه مستحيلة، وهذا كلام ذكرناه اكثر من مرة، اكيد دافعهم وطني ومحاولة انقاذ وهذا الشعور بالأسى على هذا البلد ودافعهم يمكن انقاذ شيء مما يقدرون عليه، وما دام سمو الامير طلب لا بأس ان تذهب له الرسالة، هل سيقومون بعمل ما، انا اعتقد ان أمامهم احد الخيارين، اذا كانوا سيكررون ما كتبته كل لجان تصحيح المسار وكل مجالس التخطيط والتنمية وكل الدراسات العالمية مثل (ماكنز-  بلير- البنك الدولي) الى آخره، اذا كان تكرار ما كتب، انا اعتقد أن مهمتهم ستكون صعبة بإقناع أحد لان الحكومة لا تفهم مثل هذا النوع من الدراسات، اذا ذكروا بأن العيب بالإدارة وبلغوا سمو الأمير بأن يتم تغيير جوهري ليس فقط في شخوص الإدارة ولكن في نهج اختيار مجلس الوزراء انا اعتقد أن الكويت خلال سنة ستكون افضل مما هي عليه الان، اذا عرفنا مكمن المشكلة وقمنا بعملية الجراحة الصحيحة لن تواجه الكويت مشكلة جوهرية، بل سنرى التقدم وتحسن خلال سنة من الان، ولكن ان ذهب النصح مثلما كان في الطريق القديم، كتابة التقارير فقط، فأعتقد أن كل شيء مكتوب ويمكن الإضافة الى أي شيء جديد.