كثيرٌ من الشعراء في العصور الإسلامية برعوا في الوصف من مدح وغزل وهجاء.. وأحيانا يبرعون لدرجة الوصول إلى مرحلة الزندقة والاستهزاء بالدين رغم إيمانهم بالحساب والعقاب و الوحدانية والرسل وكل أركان الإيمان.. هنا لن أعرض ما قالوه لجماله، بل لجرأته وشهرته.. وبالأخص عندما يتجه الشاعر ويتغزل بما يعشق من أهواء دون حدود و قيود، بل ينطلق ويسقط محل ما تقذفه الفكرة.
أبو الطيب المتبي، قيل إنه سمي بالمتنبي؛ لأنه قارن نفسه بالأنبياء، فكأنه جعل من نفسه نبياً في أحد أقواله، وهو :
“أنا في أمة تداركها الله، غريبٌ كصالح في ثمود”، وقيل أيضا ربما هذا البيت هو السبب بحصوله على لقب المتنبي:
” ما مقامي بأرض نخلة .. إلا كمقام المسيح بين اليهود”
فهو لم يكتف بذلك، بل بالغ بتوسع أفقه الإبداعي الذي لا يُحَد من دين ولا قيم في مدحه للحكام و غيرهم، ففي مدحه لمحمد بن زريق الطوسي قال:
“لو كان ذي القرنين أعمل رأيــه .. لما أتى الظلمات صرن شموسا
أو كان صادف رأس عازر سيفـه .. في يوم معركة لأعيا (عيســــى)
يا من نلوذ من الزمان بظــلــــــــه .. حقا، ونطرد باسمــــه إبليســــــا
وأيضا من قصائده التي أثارت جدلاً:
أي محل أرتقي؟ .. أي عظيم أتقي؟
وكل ما قد خلق الله .. وما لم يخلــقٍ
مُحتقر في همتي .. كشعرة في مفرقي..
ويزيد بن معاوية، فقد نُسبت له هذه الأبيات، وهي توحي بشدة حبه وعشقه للخمر:
دع المساجد للعباد تسكنهـــــــا .. وقفْ على دكّة الخمّار يسقينا
ماقال ربك ويل للأُلى سكروا .. بل قال ربك ويل للمصليــــــــن
السكارى سكروا جدو ولعبوا .. المصلين لادنيــــــــــا ولا دينــــا
وهذه الأبيات كذلك قالها يزيد بعد ليلة ماجنة مليئة بالخمر والغناء والعزف، إذ طلع عليه الفجر فسمع الآذان ينادي (حي على الصلاة)، فقال:
معشر الندمان قوموا .. واسمعوا صوت الأغــاني
واشربوا كأس مـــدام .. واتركوا ذكر المثانـــــــــي
شغلتني نغمة العيـدان .. عن صـــــــــــــــوت الآذان
وتعوضت من الحور.. عجوزاً فـــــــــــــــي الدنان”
وآدم بن عبد العزيز هو ابن الخليفة عمر بن عبدالعزيز، كان مشهوراً بالمجون والخلاعة، فلم يستغرب أحد منه أحد يدعو لشرب الخمر ويسخر من سلسبيل الجنة بقوله:
اسقني واسقٍ خليلـــــــي .. في مدى الليل الطويلٍ
قهوة صهباء صرفـــــــا .. سبئت من نهــــــر بيل
من ينل منـــــها ثلاثـــــا .. ينسى منهاج السبيـــــل
فمتى ما نـــال خمســـــا .. تركتــــــــه كالقتيـــــــل
قل لم يلحاك فيهــــــــــا .. من فـــــــقيه أو نبيـــــل
أنت دعها و ارجٍ أخرى .. من رحيق السلسبيــــــل
وأخرى في شتم من يحرم الخمر عليه من المسلمين:
اسقني يا معاوية .. سبعة أو ثمانيــة
واسقنيها وغنني .. قبل أخذ الزبانية
اسقنيها مُدامـــة .. مُزّة الطعم صافية
ثم من لامني عليها فذاك ابن زانية
أما عبد الله الحسين بن أحمد الحجاج ( ابن الحجاج).. وهو مؤمن بالنهاية والجنة والنار، ومع ذلك استخف بكل إيمانياته بتبوء مقعده من النار:
يا خليلي قد عطشت والخمرة ري للهائم العطشان
فاسقياني محض التي نطق الوحي بتحريمها في القرآن
والتي ليس للتأول فيها مذهب غير طاعة الشيطان
اسقياني في المهرجان و لو كان لخمس بقين من رمضانٍ
اسقياني قد رأيت بعيني في قرار الجحيم أين مكاني؟
و من خمرياته أيضاً:
“ أفضض الدن واسقني يا نديمي أسقني من رحيقه المختومٍ
اسقني الخمر التي نزلت فيها على القوم آية التحريمٍ
أسقني فأنني أنا والقسُّ نبولها جميعنا في الجحيم”
وغيرهم الكثير جاهر بكفرياته من باب المبالغة بعرض حبه وشغفه بالشيء، فالكثير منهم مسلم فقد دون إيمان.. فالإسلام خدمة بداخل نفسه؛ حيث استطاع أن يكسب صورته النهائية التي يريدها بعد قتال ومعارك وفوز بمكانات ترضي غروره وتشبع شهواته من حب سمعة وشهرة وثروة وطرب و ترف.. هم شعراء و دندنوا على طبيعتهم كما عاشوا دون كوابح أو قيم وبذلك (الشعراء الزنادقة).
مشاعل الفيصل
@Negative87
أضف تعليق