عندما ترفس الخرفان!
د. حسن عبدالله جوهر
محاولات خلط الأوراق في قضية الإيداعات المليونية مستمرة، وبالتأكيد ستتواصل حتى آخر رمق سياسي، بل لا نستبعد أن يتم اختلاق أعذار وتبريرات مليونية أيضاً لتغطية هذه السوءة حتى إن انكشف “القبيضة”، ومن “قبّضهم” خلال القادم من الأيام.
فعندما بدأ الضغط الشعبي يزداد ويخلق رأياً عاماً غاضباً ومتوعداً وبدأت الإجراءات القانونية تضيق الخناق على “المعازيب وصبيانهم” بدأت معها حركات الرفس ولفظ الأنفاس الأخيرة كما الخروف عندما يتم نحره في محاولة يائسة لإظهار عدم قبول النهاية المحتومة.
وفجأة صارت معايير الشرف والأمانة والنزاهة لا تحصى، وفجأة صارت قوانين مكافحة الفساد ضرورة لا تحتمل التأخير والانتظار، وفجأة صار الحديث عن كل أنواع الرشوة السياسية والصفقات مع الحكومة جرائم من العيار الثقيل، وفجأة تحولت قنوات “معازيب القبيضة” وكتّابهم إلى منابر لكشف كل الفضائح وحائط مبكى على الكويت وما آلت إليه نتيجة للفساد وتردي الأوضاع العامة واستمرار المشاكل الأزلية، باستثناء قضية الإيداعات المليونية طبعاً!
وبالتزامن مع ذلك بدأ يعلو صوت البكاء والنحيب على سرية البيانات المصرفية وسمعة بنوكنا المحلية والخوف على إفلاسها عندما يسحب المودعون أموالهم منها، بالإضافة إلى إعلان حالة الاستنفار بأن الكويت خالية من شبهة غسيل الأموال، وكل ذلك لعل وعسى تطوى هذه الصفحة المزعجة بأمان.
وجميع ما سبق من تبريرات يمكن بلعها سياسياً وإن كانت “تسد النفس”، ولكن أن تصل قلة الأدب والحياء في خلط الأوراق إلى زج قضايا الواسطة والمحسوبية والعلاج بالخارج وحتى التعيينات الذهبية في قضية الرشاوى المليونية ثم العزف على وتر الأجندات الخاصة ومؤامرة إسقاط رئيس الوزراء واستهجان التحرك الشعبي الغاضب لمجرد تخفيف حجم الفضيحة، فهذا يعتبر أدنى مستويات الدونية.
نعم نجلّ ونحترم الرأي القائل بتشابه أنواع الفساد واستغلال السلطة والتنفيع والانتفاع السياسي التي تتساوى في قبحها الأخلاقي والقانوني، ولكن هذا الاحترام نكنّه فقط لأصحاب المبادئ والغيورين من أبناء الكويت على بلدهم وأهلهم، ولكن لا احترام أبداً لمن يثير مثل هذه القضايا الآن كمخرج ويرفس كالخروف المذبوح، ناهيك عن أن أمثال هؤلاء يعرفون حق المعرفة أن أكثر الغارقين في هذا البحر من الفساد هم من “معازيبهم القبيضة” أيضاً!
والسر في هذا الاستبسال بات معروفاً وانكشفت طلاسمه بغاية البساطة، فالقضية المليونية “شربت مروقها”، وبات القاصي والداني وحتى الأطفال والعجائز في الكويت يعرفون من هم “القبيضة”، وحتى كم قبضوا ومن قبّضهم وسبب القبض وتوقيته، وأن المسألة لا تتعلق بمصالح انتخابية هذه المرة، فلا هي تعيين ولا إيجاد كرسي للبعثات، ولا علاج بالخارج، ولا نقل بين الوزارات، ولا قبول في كلية الضباط ولا هم يحزنون، ولكنها أموال الشعب الكويتي دخلت في جيوب البعض “كاش” شراء لمواقف سياسية وحفظا للكراسي والمناصب التي تقرر مصير البلد، والمصيبة الكبرى أن البلد صار يباع ويشترى، وبعض الحمقى والمرضى يصفقون لذلك بكل غباء!!
أضف تعليق