أقلامهم

جاسم بودي يرصد محاولات طائفية ومذهبية للحكومة والبرلمان والجامعات تعزز نحر الكويت

 نحر الكويت  
جاسم بودي 
 
ندخل في صلب الموضوع مباشرة. مستقبل الكويت السياسي في خطر… وبالتالي كيانها نفسه.
كان أمامنا أن نعتمد نموذجا من اثنين، تقدم التيارات السياسية وفق البرامج الإنسانية والوطنية والتنموية كما يحصل في الدول المتقدمة أو تراجع هذه التيارات وتخلفها وفق المنطق الطائفي والمذهبي والقبلي والعنصري كما يحصل في أكثر من مكان في العالم الثالث… ولا يحتاج المرء للتفكير كي يكتشف أي نموذج اختارته التيارات السياسية الكويتية.
لم يعد السياسيون يجتمعون على برامج تطوير الصحة والتعليم وكل قطاعات الخدمات. صاروا يختلفون نسبة إلى هوية الوزير والوكلاء المذهبية أو المناطقية أو القبلية. هذا يستجوب وذاك يعارض استنادا إلى هذه الهوية من دون حاجة إلى شرح أو سوق أمثلة. بل أكثر من ذلك صارت السياسة الخارجية تقاس بقليل من المبادئ وكثير من الطائفية، فسياسيون مع البحرين ضد «العصابات» وسياسيون مع شعب البحرين ضد «القمع»، وهؤلاء أنفسهم مع النظام السوري ضد «العصابات» أو مع الشعب السوري ضد «نظامه القمعي». سياسيون مع حرية التغريد على «تويتر» لأشخاص وسياسيون ضد حرية التغريد على «تويتر» للاشخاص أنفسهم… والسبب «سني – شيعي» من دون مكابرة أو تبرير. هكذا هم سياسيونا، وهكذا أصبحت التيارات السياسية للأسف الشديد تقودها الغرائز والعصبيات والعنصريات وتنزلها إلى مستواها بدل أن تحاصر هذه التيارات الغرائز وترفعها من موقعها الدنيء المتخلف إلى رحاب الإنسانية والمساواة والعدل.
إن لبنان الذي اعتبر شعلة الديموقراطية في العالم العربي أحرقته هذه الغرائز ودمرت بناه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومع ذلك، وحتى هذه اللحظة، وهي لحظة طائفية بامتياز، لم يعرف لبنان مثلا مصطلح «النواب الشيعة» أو «النواب السنة» رغم غالبية واضحة لـ«حزب الله» وحركة «أمل» و«تيار المستقبل» في البرلمان. يقولون نواب الحزب أو نواب الحركة أو «نواب المستقبل» لان هناك نوابا شيعة وسنة أيضا خارج اطار هذه التكتلات، إنما في الكويت حفروا مصطلح «النواب الشيعة» أو «النواب السنة» أو نواب القبائل أو النواب الحضر أو البدو حفرا في اللغة السياسية وبالتالي في النفوس، فالنائب الشيعي ليس قوميا ولا عروبيا ولا اشتراكيا ولا يساريا ولا يمينيا إنما هو «شيعي» وكذلك الحال بالنسبة الى النائب السني.
ومع ذلك، هؤلاء النواب إضافة الى التيارات السياسية، محدودو العدد ومعروفو التوجه ويصعب أن تبنى عليهم آمال في التغير، وإنما الآمال تبنى على وعي الناخب والقواعد التي ستكتشف عاجلا أم آجلا. إن هؤلاء يتاجرون بالدين والطائفة والمذهب على حساب الوحدة والاستقرار. إنما ما يجعل المرء يتخوف على المستقبل ما يحصل في الجامعة حيث تكرست في الانتخابات الأخيرة الظواهر السلبية من توزيع بيانات قبلية وطائفية تعلن الدعم لهذا المرشح أو ذاك وإجراء فرعيات فاز بنتيجتها فلان من كل قبيلة إضافة الى الطلب من أبناء القبيلة «مبايعته» عبر التصويت له.
الجامعة هي البناء الأساسي لقادة المستقبل ناهيك عن بناء الشخصية المتوازنة المتزنة المتماسكة ذات الرؤية الوطنية التوحيدية. طالب الجامعة من الطلائع الاجتماعية المتقدمة الذي يصهر في ذاته خبرات الكبار وحيوية الشباب ونشاطهم. هل يجوز ان ينكفئ طائفيا ومذهبيا وقبليا وعنصريا من أجل الفوز في اتحادات الطلبة بدل أن يكون برنامجه الاساسي محاربة هذه الظواهر؟ ألن يكون قادة المستقبل أسرى العوامل التي أوصلتهم الى مناصبهم الجامعية وبالتالي سيعكسونها في أعمالهم المستقبلية وخياراتهم الادارية؟
ما يحصل في الجامعة من فزعات ومبايعات قبلية ومذهبية لغم لن يسلم مستقبل الكويت منه ولا الكيان نفسه، وإذا كانت التيارات السياسية مسؤولة عن تغذية هذه العوامل فإن مسؤولية الحكومة لا تقل عنها لأنها شجعت هذه العوامل من خلال مسايرة السياسيين على أساس انتماءاتهم لا برامجهم ولانها عقدت الصفقات مرارا وتكرارا مع التيارات السياسية على أساس انتماءاتها الضيقة مفضلة عبور المطبات المرحلية بسلامة من دون الالتفات الى سلامة المستقبل السياسي الاجتماعي والاقتصادي الكويتي.
عندما يرى النائب أن مسايرة غرائز الناس واللعب على الأوتار الطائفية والقبلية معبر الى البرلمان فإنه سيعزف على هذا الوتر حتى النهاية، وعندما ترى الحكومة أن مسايرة الغرائز تُؤمّن لها مخرجا من المشاكل السياسية الظرفية فإنها ستعزف على هذا الوتر حتى النهاية، وعندما يرى السياسي أو الناشط أو المواطن ان الحكومة والمجلس معا يساعدانه ويجزلان الدعم والعطاء استنادا الى موقعه الطائفي أو القبلي فسيعزف على هذا الوتر حتى النهاية، وعندما يرى الطالب الجامعي أن أقصر طريق للوصول الى الاتحاد وممارسة العمل العام هو الطريق الطائفي والقبلي فسيعزف على هذا الوتر حتى النهاية.
… ما يعتقده الجميع عزفا هو نحر للكويت.