تلفزيون الكويت بعد نصف قرن
يوسف الزنكوي
بقايا خيال
15 نوفمبر عام 1961 كان البث الأول لتلفزيون دولة الكويت, ويوم الثلاثاء الموافق 15 نوفمبر 2011 يصادف الذكرى الخمسين لهذا الحدث الإعلامي المهم في تاريخ بلادنا. فهل ستحتفل وزارة الإعلام بهذه المناسبة المهمة لانطلاق صورة الكويت المشرقة عبر الشاشة الفضية إلى كل دول المنطقة قبل نصف قرن من الزمن? أم إنها ستمر من دون اهتمام من أحد من المسؤولين وبإهمال واضح, تماما كما أهمل الجهاز نفسه طوال السنوات الخمس والعشرين الماضية, حتى تراجع عن القنوات التلفزيونية الخليجية كلها?
لقد جرت العادة أن يحتفل الناس بمناسبة ما أو لإنجاز ما استطاعوا تحقيقه, بغض النظر عن عدد السنين التي انقضت لتحقيق ذلك الإنجاز. وبناء عليه نتساءل عما يمكن إبرازه احتفاليا من إنجاز إعلامي إيجابي حققه تلفزيون دولة الكويت مقارنة بمنجزات القنوات التلفزيونية الخليجية الأخرى العاملة في المنطقة خلال 25 سنة الماضية فقط وليس خلال الخمسين سنة الماضية?
لقد برزت عشرات القنوات الفضائية العربية الإخبارية والاقتصادية والثقافية خلال العقدين الماضيين, استطاعت أن تتفوق وبشكل لافت للنظر على تلفزيون الكويت خلال فترة قصيرة من الزمن, ومنها محطات فضائية كويتية تمكنت من جذب نسبة مؤثرة من المشاهدين المحليين والخليجيين, بينما تواصل أقدم المحطات التلفزيونية في المنطقة الرسو على عدد غير قليل من محطات الفشل وكثير من منزلقات التراجع, فما جدوى احتفال وزارة الإعلام بهذه المناسبة?
لا أدري ما إذا كانت وزارة الإعلام الكويتية تعتزم الاحتفال بهذه المناسبة أم لا, لاسيما أنه لا يظهر في الأفق ما يوحي بذلك, ولكنني في الوقت نفسه أتمنى لو احتفلت الوزارة بطريقة محاسبية, وكأنها عملية جرد للحساب خلال الخمسين سنة الماضية, يتم فيها تحليل أسباب الفشل الذريع والمستمر لتلفزيون الكويت خلال الربع قرن الماضي, ولتتضح بعدها معالم الحلول المناسبة كإعادة هيكلة الجهاز وإصلاح مساره.
فأغلب وزراء الإعلام الذين تولوا حقائب هذه الوزارة السيادية الحساسة كانوا يتشدقون بمفردات حرية التعبير عن الرأي, ولكن ما أن تقلدوا هذه الحقيبة حتى بدأوا حربا شعواء ضد البرامج الحوارية الجريئة, بل والتدخل في شؤون الدول الأخرى لإغلاق هذه القنوات التلفزيونية الفضائية وسحب التراخيص الممنوحة لها بعد أن نقلت ما كان يجري وراء الكواليس الانتخابية هنا قبل سنوات, فأشعرتنا بشيء من الحرية التلفزيونية الصادقة, رغم وجود قانون المرئي والمسموع الذي يسمح بلجوء المتضررين إعلاميا إلى القضاء.
خلال السنوات الأولى من إطلاق تلفزيون دولة الكويت لم تكن هناك محطات منافسة خليجية أو عربية أو أجنبية, ولم تكن لهذه المحطة مداخيل إعلانية ولا موارد مالية أخرى غير الدعم الحكومي, ولم يكن هناك ما يسمى قانون المرئي والمسموع لتعمل هذه القناة بهديه, ولم يكن أحد يعرف شيئا عن المحطات الفضائية ولا الإنترنت, ولم يكن كل الكويتيين يملكون جهاز تلفزيون في بيوتهم, على عكس ما نراه اليوم من تكاثر أجهزة التلفاز في كل غرفة في كل بيت كويتي.
إن ظروف سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي خلت من القدرة على منافسة تلفزيون دولة الكويت, رغم افتقار هذه المحطة إلى الإمكانات الفنية والمالية. ولكنها برعت في تقديم أفضل المسلسلات وأجمل البرامج المنوعة وأمتع الحوارات التلفزيونية المفيدة وغيرها من القفزات الإعلامية المتميزة أشادت بها دول عربية كثيرة ما دفع بعدد من دول المنطقة نحو الاعتماد على الخبرات الكويتية لتأسيس قنوات تلفزيونية خليجية صار لها شأن إعلامي في المنطقة فيما بعد. صحيح لم تكن هناك قنوات تلفزيونية أخرى للمقارنة أو المفاضلة بينها وبين تلفزيون دولة الكويت أو لتجذب المشاهدين نحوها, ولكن الحق يقال إن مضمون البرامج الكويتية كان السبب في تسمر مشاهديه أمام الشاشة خلال معظم ساعات البث.
فهل يستطيع هذا الجهاز الحكومي بقنواته العديدة اليوم التخلص من الهيمنة الحكومية كخطوة أولى نحو خصخصة الإعلام الرسمي, ليكون الاحتفال الخمسيني مناسبة مستحقة?
أضف تعليق