محليات

الأداعات المليونية
الإيداعات المليونية “جريمة غسيل أموال” طبقاً للقانون رقم 35 “جريمة رشوة

اكتسبت قضية الإيداعات المليونية صخباً بالشارع الكويتي بعدما قامت بعض البنوك المحلية بإحالة بعض نواب مجلس الأمة إلى النيابة العامة لوجود بعض العمليات المشبوهة في حساباتهم المصرفية الموجودة لديها.

 وعلى إثر ذلك راح بعض نواب البرلمان وبعض أفراد القوى السياسية يرجمون غيباً وتوزيع التهم جزافاً وصفاً وتكييفاً، ومثال ذلك القول بأن هناك جريمة رشوة ويجب الكشف عن كل من الراشي والمرتشي ومحاسبتهما تحقيقاً للقصاص العادل. 
ولكن ذلك يصطدم مع الحقيقة والواقع فالظاهر للعيان وكل من يشتغل بالقانون بأن جريمة الرشوة طبقاً لنص المادة 114 من قانون الجزاء الكويتي تكاد
تكون منتفية ، وآية ذلك أن المشرع اشترط لتحقق جريمة الرشوة أركان هي:
 الركن الأول :صفة المرتشي وهو أن يكون موظف عمومي أو من في حكمه، وقد بينت المادة 43 من القانون رقم 31 لسنة 1970 ألحاق صفة الموظف العمومي على عضو مجلس الأمة.
الركن الثاني : وهو الفعل المادي لجريمة الرشوة وهو كقبول الموظف للفائدة أو الوعد بها أو الطلب للشيء أو الأخذ وما شابه ذلك وغيرها من صور تحقق الفعل المادي لجريمة الرشوة مع أقامة الدليل المعتبر قانوناً على أرتكابه للفعل.
الركن الثالث: القصد الجنائي لأن جريمة الرشوة هي جريمة عمدية.
 وبناء على ذلك، وحيث أن البلاغ المقدم من قبل تلك البنوك إلى النيابة العامة كما نشر في الصحف هو يتضمن الإحالة بسبب وجود بعض العمليات المصرفية المشبوه لتضخم الحسابات المصرفية لبعض النواب دون معرفة مصدرها،
ومن ثم ينحسر عنها جريمة الرشوة لخلو البلاغ عنها فضلاً عن عدم وجود الدليل أو التلبس في حق أحد هؤلاء النواب بالفعل المادي للرشوة أو أحد أدلة الأثبات على وجود جريمة الرشوة ،ومن فلا يصح معه القول بوجود جريمة الرشوة في هذه القضية.
ولكن الواجب أن يكون الحديث حول توافر جريمة غسيل الأموال المجرمة والمعاقب عليها طبقاً لنصوص القانون رقم 35 لسنة 2002 في شأن مكافحة عمليات غسيل الأموال ، حيث تعرف المادة الأولى من القانون سالف الذكر جريمة غسيل الأموال بقولها( هي عملية أو مجموعة من عمليات مالية، أو غير مالية تهدف إلى أخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو عائدات أي جريمة وأظهارها في صورة أموال أو عائدات متحصلة من مصدر مشروع، ويعتبر من قبيل هذه العمليات كل فعل يساهم في عملية توظيف أو تحويل اموال عائدات ناتجة بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن جريمة أو أخفاء أو تمويه مصدرها. 
وتكشف المادة الثانية من نفس القانون تحقق جريمة غسيل الأموال بقولها( يعد مرتكباً لجريمة غسيل الأموال كل من أرتكب أحد الأفعال التالية أو شرع في أرتكابها:
اجراء عملية غسيل الاموال مع العلم بانها متحصل عليها من جريمة او متحصل عليها من فعل من افعال الاشتراك فيها.
  نقل او تحويل او حيازة او استخدام او احتفاظ او تلقي اموال مع العلم بانها متحصل عليها من جريمة او متحصل عليها من فعل من افعال الاشتراك فيها .
  اخفاء او تمويه حقيقة الأموال او مصدرها او مكانها او طريقة التصرف فيها او حركتها ا و الحقوق المتعلقة بها او ملكيتها، مع العلم بانها متحصل عليها من جريمة او متحصل عليها من فعل من افعال الاشتراك فيها. 
وفيما يتعلق بالعقوبة :
لقد فرق المشرع في العقوبة بين اصحاب النفوذ بسبب الوظيفة وغيرهم من الأشخاص،
ويستفاد ذلك من نص المادتيين السادسة والسابعة من القانون رقم 35/2002 بأن جعل العقوبة العادية في المادة السادسة :هي الحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن نصف قيمة الاموال محل الجريمة ولا تزيد على كامل قيمة هذه الاموال وبمصادرة الاموال والممتلكات والعائدات والوسائط المستخدمة في ارتكاب الجريمة وذلك دون اخلال بحقوق الغير حسني النية.
أما بالنسبة لأصحاب النفوذ كأعضاء البرلمان فقد تشدد المشرع بأن جعل العقوبة تضاعف عقوبة الحبس المنصوص عليها في المادة 6 سالفة البيان
، وذلك بقول( اذا تمت الجريمة من خلال مجموعة منظمة ،او اذا ارتكبها الجاني مستغلاً وظيفته او نفوذه).
 وبناء على ما تقدم فلا يخفى على الجميع من أنه يمكن القول من توافر جريمة غسيل الأموال المجرمة بالقانون رقم 35لسنة 2002 ما لم يقوم المتهمين المحالين على النيابة بإقامة الدليل على مصدر ومشروعية تلك المبالغ المودعة في حساباتاتهم المصرفية في تلك البنوك .
 وغني عن البيان ما يتمتع به عضو مجلس الأمة في دولة الكويت من سلطة ونفوذ يسوغ معه لقاضي الموضوع أعمال نص المادة السابعة لتوقيع العقوبة مضاعفة في حقه التقادم لا يسقط الدعوى الجزائية أو العقوبة المحكومة بها.
 طبقاً لنص المادة رقم 8 من القانون رقم 35 /2002 فأن التقادم لا يسقط الدعوى الجزائية في جريمة غسيل الاموال او العقوبة المحكوم بها بعد العمل بالقانون رقم 35/2002 .
 لا مجال للظروف المخففة لقضايا غسيل الأموال :  تظهر صورة التشديد في العقوبة في مثل هذه القضايا بما نصت عليه المادة التاسعة من ذات القانون بقولها( ولا يجوز تطبيق احكام المادتين 82، 81 من قانون الجزاء في شأن هذه الجرائم) .
 وغني عن البيان أن تلك المادتين الوارد ذكرهما تخول المحكمة تخفيف العقوبة أو وقفها أو الأمتناع عن النطق بالعقاب،
أخذاً بظروف المتهم أو اخلاقه او ماضيه او سنه، أما في قضية الساعة وأعمالاً لقانون مكافحة عمليات غسيل الأموال رقم 35/2002 فأننا أمام متهمين أما أن يقضى لهم بالبراءة لخلو ساحتهم من ثمة أتهام، أو يقضى عليهم بالعقوبة تطبيقاً للعدالة وسيادة القانون. 
ومن جماع ما تقدم وإيماناً منا بما تتمتع به النيابة العامة من استقلالية وبصفتها أمينة على الدعوى العمومية، فأنه ينبغي على الكافة عدم التدخل في عمل السلطة القضائية إعمالاً للمبدأ المقرر في المادة 50 من الدستور التي تنصي على الفصل بين السلطات،وتركها بحرية في التحقيق والتحري والاستدلال عن الحقائق والوقائع، دون ألتفات لما يروجه البعض من وجود جريمة رشوة وهناك راشي يتقلد منصب رفيع في الدولة ويجب محاكمتهم على ذلك، لكونه كلام بعيد التحصيل وشديد الأضطراب ولا ينسجم مع العقل والحقيقة والواقع، وإنما الواجب هو الأخذ بتفعيل وتطبيق القانون رقم 35 لسنة 2002 بشأن مكافحة عمليات غسيل الاموال وتشديد المراقبة على البنوك بالنسبة للايداعات المشبوهة لكافة الأشخاص الطبيعيين وغير الطبيعيين لكونه يتضمن ضمنياً قانون من أين لك هذا الذي يشتدق الكثير بالمطالبة بسنه وتشريعه.
 وذلك أخذاً بالنتائج لا المقدمات وهي لحظة أيداع المبالغ المتحصلة من الجرائم المعاقب عليها قانونا كالرشوة أو التربح من الوظيفة أو الأستيلاء على
،الاموال العامة وغيرها
وذلك عن طريق إحالة كل مودع صاحب العملية المشبوهة إلى النيابة العامة للتحقيق فإذا لم يقم الدليل المعتبر قانونا على مصدر ومشروعية تلك الاموال تتم إحالته على المحكمة لتوقيع الجزاء المقرر في قانون مكافحة عمليات غسيل الاموال رقم 35/2002. 
وأما مقولة البعض بالمطالبة بالبحث عن جريمة الرشوة ومن هو الراشي والمرتشي فلا يستقيم ذلك مع العقل والمنطق فمثال من يطالب بذلك مثال من دخل الثعبان في ثوبه وهو يريد أن يبحث عن لونه وحجمه دون أن يبادر بالقضاء عليه فالواجب إذن هو تفعيل وتطبيق القانون أعمالاً للعدالة وسيادة القانون.