أقلامهم

محمد المقاطع يخشى أن تفوت الفرصة ويصبح الوقت الضائع هو الحقيقة المرة

هل نحن في الوقت الضائع؟
كتب محمد عبدالمحسن المقاطع
إن المراقب لمنحنى النزول الذي تشهده البلاد على جميع المستويات، في مقدمتها ضعف الحكومة وفشلها وغرقها في مستنقع الفساد، فإنه يرى أن مؤشراته بلغت حدّا لم يعد معه ممكنا أن تتوقف صفارة إنذار الخطر عن الصفير المستمر، فهناك أموال سياسية فاسدة في مصادرها وفي متلقيها، مبالغها تكبر يوما بعد يوم وأطرافها تتعدد بين الحين والآخر، وحجم الفساد الذي تمثله يغطي رقعة واسعة ما بين السلطة التنفيذية ومجلس الأمة ، وهو ما يعني أن خط العودة إلى الإصلاح وبتر هذا الفساد ربما يكون قد فات، لنكتشف أننا نعيش في الوقت الضائع، وتأتي فورة أو قل ثورة زيادة المرتبات والكوادر مؤشرا آخر على سوء تخطيط الحكومة وسوء إدارتها للبلد، وسوء من بيده مسؤولية العمل التنفيذي، لأن هذا الموضوع ثار قبل هذا الوقت بثلاث سنوات كاملة، وتم التعامل معه بأسلوب المسكنات والتسويفات والترضيات، وهو شأن من فقد الشعور بالإدارة الحكيمة، وهو بالتأكيد حال الحكومة التي لا أعلم كيف تتبعها على الدوام صفة الرشيدة.
وهذا الموضوع المتفجّر على الرغم من عدم أحقية المطالبات به في جانب منها، لكنه يكشف تداعيات خطيرة تتمثل في غياب العدالة الاجتماعية والفرص المتكافئة والمتساوية التي تطمئن الموظفين، ووجود المزاجية والعشوائية في إقرار الزيادات ومكافأة المقصرين وترقية العابثين، وهو ما يولّد الشعور بالظلم جنبا إلى جنب مع الشعور بالفوضى، فيتدافع الجميع إلى المطالبة برفع مرتباته، ليس لأنها قليلة وإنما لأنه قد تمت زيادة من هم أقل منهم في المستوى الوظيفي أو في التخصص الفني أو في الأداء الفعلي لمتطلبات الوظيفة، وهي جميعا مظاهر تؤدي إلى تفشي المطالبات العشوائية لوقف الظلم العشوائي، وإلا فهل يعقل أن يكون المدرسون والمدرسات، وهم أكثر الموظفين بصورة إجمالية دواما وإنتاجية ومواظبة وخضوعا لمبدأ الثواب والعقاب، مرتباتهم أدنى مرتبات في الدولة، بل أضعفها في سد احتياجاتهم المعيشية؟
أما المؤشرات الثالثة والرابعة والخامسة وبقيتها، فتتمثل في إهدار مفهوم مؤسسية أجهزة الدولة، فالأجهزة الحكومية مهترئة بسبب اختراقها من الوزراء والمسؤولين بقرارات عبثية وأخرى شخصية وثالثة تدميرية، لأن كلا منهم ينفذ برنامجا في رأسه يختلف عما هو برأس مسؤول آخر، وبالتأكيد يختلف تماما عما سطرته الخطط والإجراءات المؤسسية لكل جهة حكومية، فضاعت المشروعية وتم الزجّ بالسلطة القضائية بصورة متكررة في نزاعات سياسية رغم وجوب إقصائها عن كل ذلك، لكن أجندة الحكومة تجاوزت كل الخطوط وأهدرت كل الضمانات، واجتماعها الأخير يعكس ذلك، ويبدو أننا نعيش مرة أخرى في الوقت الضائع، لأن تدمير المؤسسات، إن تم، وتخريب الأجهزة إذا اكتمل صارت إعادة النظام وسط ركام الأطلال مستحيلة ولا تمتّ إلى المشروعية والمؤسسية بأي صلة.
إن الكويت اليوم بحاجة ماسة وعاجلة إلى قرار حاسم حتى لا تفوت الفرصة وحتى لا يصبح الوقت الضائع هو الحقيقة المرة التي يقف أمامها الجميع بعد أن صارت حالة الاحتقان لدى الناس كبيرة ونفوسهم مليئة بالتذمر وعدم الرضا، وجميعهم يشعرون بأن حال البلد كلما مضى عليها يوم صارت أسوأ من اليوم الذي سبقه، وكلما تكشف لهم حدث يمس البلد بدأوا التفكير متى ستكون كارثة تهز الدولة، ولذا فهم يتهامسون بل ويكتبون وبعضهم يجاهرون بأن هذه الحال ينبغي ألا تدوم، ويتطلعون الى أن يأتي الحسم حتى لا نقول «هل نحن في الوقت الضائع؟».
***
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
حقيقة تعني أن إرادة التغيير الحقيقية تبقى دائما وأبدا بيد الشعوب، لا بيد دولة عظيمة ولا مجلس أمن ولا أمم متحدة، هذا ما كشفت عنه في الأيام الماضية محاولة التملّص من طلب انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة عن طريق استخدام أميركا لحق النقض «الفيتو»، تماما كما حدث يوم أمس عندما استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد قرار دولي بإدانة أعمال الإبادة في سوريا، والمفاجأة أن لبنان ممثل الدول العربية في مجلس الأمن «امتنع عن التصويت».
التغيير اليوم بيد الشعب الفلسطيني تماما كما هو بيد الشعب السوري، وأقول لهما: إن إرادة الشعوب غالبة.
اللهم إني بلّغت.