أقلامهم

الجميل يكتب عن قانون مسامحة الفساد ومستقبل البلاد

 عبدالهادي الجميل
ضحك كالبكا
كي تعرف حال مجتمع ما، يكفي أن تستمع الى الأمثال الشعبية التي تلقى رواجا في المجتمع وتعكس القيم السائدة فيه، فإذا كانت أمثالا تمجّد الكرامة والنزاهة والشرف؛ فاعلم بأن هذا المجتمع بخير ويعيش صحيحا خاليا من الآفات الاجتماعية.
أما اذا وجدت مجتمعا تروّج فيه أمثال من نوعية “ من صادها عشّاها عياله” و” من عيّن الحنّا تحنّا”؛ فاعلم بأنه مجتمع تتغلغل فيه قيم النفاق والانتهازية والفساد.
في إحدى دول الخليج؛ اختلس أحد الوزراء مبلغا كبيرا من أموال الدولة، فاستدعاه الحاكم وسأله عن السبب، فأجاب المختلس..” لا تُودِع الذيب الشحم”، فضحك الحاكم وعفا عنه لأنهما”دافنينه سوا”.
عندما تنكشف فضيحة فساد في دولة ديمقراطية حقيقية، تقوم المؤسسات المعنية بالتعامل مع الأمر بمنتهى الحزم والشفافية، فيتم إيقاف المشتبه بهم عن العمل وكف أيديهم عن كل ما من شأنه التأثير على القضية حتى يتم استئصال جذور الفساد. أمّا لدينا، فينبري البعض للدفاع عن المفسدين وتبرير أفعالهم وأعمالهم عبر القنوات الفضائية والصحف والمنتديات، وها نحن نختبر ذلك الآن من خلال قضية الرشاوى النيابية التي يُراد لها أن تتحوّل إلى شبهة غسيل أموال، و”الهون أبرك ما يكون”. ومن الغريب والمعيب أن تقوم الحكومة بإحالة قانون مكافحة الفساد إلى اللجنة التشريعيّة  في المجلس، في الوقت الذي تحوم الشبهات فيه حول ثلث عدد أعضائه. كان الأولى بالحكومة والمجلس أن ينتظرا لحين انتهاء هذه القضية حتى لا يُطلق على هذا القانون اسم قانون”مسامحة الفساد” بدلا من “مكافحة الفساد”.
يرى بعض أصدقائي بأنني أولي قضية الرشاوى النيابيّة اهتماما زائدا خصوصا وأن أوجه الفساد في البلاد أصبحت” أكثر من التمر في البصرة”، وأظنهم صادقين في ذلك، ولكن سبب اهتمامي الزائد يعود إلى استشراء الفساد-هذه المرّة- في المؤسسة البرلمانية المسؤولة عن الرقابة والتشريع. 
مجلس الأمّة هو رأس حربة الإصلاح، ومهما تثلّمت هذه الحربة فإنها تظل قادرة على اختراق مكامن الفساد ومخابئ اللصوص وأوكار الرذيلة السياسيّة، لهذا يجب عدم الانشغال-حاليا- بأي قضية أخرى مهما بلغت أهمّيتها.
يوما ما -أخي القارئ الشاب- سيكبر ابنك وسيتخرّج من الجامعة بمعدّل مرتفع، ولن تستطيع توظيفه وسيُثقل كاهلك بمصاريفه المالية، ومن ذات الدفعة سيتخرّج ابن النائب المرتشي بمعدّل مقبول، وسيتم قبوله فورا في سلك النيابة العامة أو السلك الدبلوماسي أو هيئة الاستثمار أو أي وظيفة يريدها، وفي أوّل انتخابات عامة قادمة، ستقف مع ابنك العاطل في طابور طويل وتحت الشمس المحرقة كي تمنحا صوتيكما لابن قبيلتكما أو طائفتكما الذي إذا نجح فإنه –غالبا- سيفعل كما فعل النائب المرتشي الذي لم يجد من يحاسبه في مجتمع “من صادها عشّاها عياله”.