أقلامهم

النيباري يعرض ثلاثة سيناريوهات للايداعات المليونية

عبدالله محمد النيباري 
حوارات التصدي للإيداعات المليونية:
المطلوب مزيد من الضغط الشعبي
أستأذن في البداية الإشارة إلى ما تناوله الاستاذ أحمد الديين في مقاله المنشور في جريدة عالم اليوم 2/10/2011، بعنوان «إعادة انتاج الوضع البائس»، وشخّص فيه الوضع الذي تمر به الكويت، مركّزا على آفاق الحراك السياسي الذي تشهده الكويت، يقول الديين في مقاله المهم «انه في غياب أجندة واضحة للاصلاح الديموقراطي، يتم التوافق على المستوى الشعبي لتحقيقها، لا يمكن تصور أن يؤدي هذا الحراك إلى إحداث تغيير ملموس في الحياة السياسية، حتى لو أدى الى اطاحة رئيس الوزراء وتشكيل حكومة جديدة، أو حتى حل مجلس الأمة واجراء انتخابات مبكرة، اذ ان أقصى ما يمكن أن يؤدي اليه ذلك هو تغيير في الاشخاص، سواء على مستوى رئيس الوزراء، على أهميته وضرورته، او اعضاء الحكومة او اعضاء المجلس، وهذا لن يؤدي إلى تغيير في النهج السلطوي الذي لا يرتبط بشخص وانما بأوضاع قائمة، وبموازين مختلة وبمراكز نفوذ متمكنة وبعقلية سائدة يصعب ان تتقبل التخلي عن الانفراد بالقرار، فلا تغيير في الحكومة ولا انتخابات مبكرة، تعيد انتاج نوعية الأعضاء نفسها وفق موازين الاستقطاب القبلي والطائفي والمال السياسي وتسهيل الخدمات والمعاملات، يحققان الإصلاح المطلوب».
تشخيص
تشخيص الديين للحالة السياسية دقيق وعميق، وهذا الموضوع كان وما زال محل تداول وحوار في الأوساط المهتمة جديا بإيجاد مخرج من الأزمة التي يعانيها البلد. 
والسؤال هنا كيف تخرج الكويت من الازمة التي اصبحت ازمات، وطالت وتعمقت ولا حديث لاهل الكويت بل حتى اهل الخليج الا «الكويت وين رايحة؟»، هذا الوضع المأزوم ادى الى انفجار الحراك الشعبي وتطور الان الى اضرابات لفئات عديدة في المجتمع والسؤال مازال «وين رايحين» وكيف نستفيد من الحراك الشعبي وفي أي اتجاه؟.
واشير إلى بيان المنبر الديموقراطي الصادر بتاريخ 6/3/2011 الذي جاء فيه «ولا يكفي لإصلاح الأوضاع إحداث تغييرات قشرية أو جزئية، وانما المطلوب التصدي بتغييرات جذرية جدية وملموسة تتناول هيكلية صنع القرار، تستوحي روح الدستور وتدفع عجلة التحول الديموقراطي واستكمال شروطه لتحقيق المشاركة الشعبية في صنع القرار».
وأعتقد أن قوى الحراك الشعبي، وعلى الأخص القوى الشبابية، مطالبة بأن تتوقف للتمعن في تشخيص الوضع وما هي الخطوات المطلوبة، أو ما هي خارطة الطريق لتحقيق الاصلاح المنشود، لكي لا تذهب الجهود سدى. فقد مضى على الحراك السياسي الشعبي قرابة السنتين من دون أن نرى نوراً في نهاية النفق، وبدلا من أن نحقق الاصلاح تصفعنا قضية الايداعات المليونية، ونكتشف أن البلد ازداد غرقا في مستنقع الفساد.
على كل حال، اذا كانت تحديات الاصلاح الجاد تواجهنا على المدى الأبعد من اللحظة الراهنة، فالحوار العقلاني بشأنها يجب أن يستمر ولا يتوقف. 
مواجهة
ولكن لنتوقف عند كيفية مواجهة ما كشفت عنه فضيحة الإيداعات المليونية، هذه القضية التي استفزت كل الشرفاء من أبناء أصحاب الضمائر الحية، وأدت إلى استقطاب شعبي واسع استبشع واستنكر المدى الذي وصل اليه الفساد في البلد.
والجديد في هذه القضية إذا صح ما قدمته البنوك من إحالات إلى النائب العام، أن المرتشين من أعضاء المجلس الذين ارتفع عددهم وتضخمت مبالغ الرشوة، وتصرفوا علناً وبوقاحة، مطمئنين الى أنهم لن يتعرضوا لعائق أو لرادع، فالبنوك والهيئات الرقابية، بما فيها البنك المركزي، لم تتحرك الا بعد مبادرة جريدة القبس الجريئة بنشر ما وصل اليها من معلومات عن الإيداعات المليونية المخالفة لقانون غسل الاموال.
وسواء كانت القضية جريمة غسل اموال او رشوة سياسية، فهي مسألة خطيرة.
فعندما تطال القضية 13 نائبا، والعدد قد يزداد، فنحن أمام جريمة او واقعة اخطر من قضية رشوة سياسية او غسل اموال تنحصر في فعل فردي، بل هي اقرب الى ان تكون جريمة امن دولة، بل اخطر من ذلك، وقد تكون جريمة تلويث الحياة السياسية وتخريب النظام السياسي الدستوري للبلد. أتساءل الآن: كيف نواجه هذه القضية؟ وكيف نستخدم ما بيدنا من أدوات لمحاصرتها وفضحها؟
ثلاثة سيناريوهات
هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة لمواجهة الإيداعات المليونية، الأول ما طرحه الاستاذ جاسم السعدون، بضرورة أن يبادر النظام الى تغيير الحكومة والمجيء بحكومة جديدة تتصدى للأزمة، من دون انتظار انعقاد المجلس في نهاية شهر أكتوبر. وأحسب أنه يقصد تغييرا كاملا لطاقم الحكومة، بما فيها رئاستها، وأن تأتي حكومة جادة في مواجهة الفساد.
ولا يبدو أن هذا المقترح سيجد صدى لدى أصحاب القرار، فنحن نقترب من موعد دور انعقاد مجلس الأمة، والنظام، بحكومته ومؤسساته يلوذ بالصمت وكأننا نتسلى بخبر حدث في جزر الوقواق، وما نخشاه هو أن الإجراءات لطمطمة الأمر واحتوائه ماضية في التنفيذ، فالمتداول الآن في اوساط اهل القانون أن قانون مكافحة غسل الأموال قد لا يكون كافيا لمحاصرة القضية، مما قد يتيح مجالا للإفلات من الإدانة، وكان من المفروض، تعبيرا عن الجدية، أن تبادر الحكومة بالعمل على إصدار القوانين المدرجة على جدول أعمال مجلس الأمة لمكافحة الفساد، أو بدعوة طارئة لمجلس الأمة، أو إصدارها بمرسوم أميري، وعدم حدوث ذلك أصبح أمرا مثيرا للقلق حول موقف الحكومة.
السيناريو الثاني هو الاقتراح المطروح لتقديم استجواب رئيس مجلس الوزراء، باعتباره طرفا، أو لعدم القيام بمسؤولياته واستخدام ما لديه من ادوات دستورية للتصدي للقضية، وهذا الاقتراح تتبناه الكتل البرلمانية والقوى السياسية ومجاميع الحراك السياسي الشعبي.
وهو اقتراح يتفق مع النهج المطروح منذ أكثر من عامين للإطاحة برئيس الوزراء، ابتداء بقضية الشيكات المدفوعة من رئيس الوزراء لبعض الأعضاء وتداعياتها، ومنها ممارسة القمع تجاه التجمعات الشعبية، وان أي اجراء آخر قد لا يكون مجديا، لانه سيواجه بتكتيك من جانب الحكومة لعرقلته وتضييع القضية.
رغبة شعبية
ورغم ان هذا الاقتراح يحقق رغبة شعبية واسعة، ويلبي اجراء سياسيا مستحقا، خصوصا ان هناك احتمالا بان يحظى الاقتراح بعدد كاف لسحب الثقة او عدم التعاون، فإنه يعتبر رسالة قوية للنظام للتجاوب مع المطالب الشعبية، ويرى المؤيدون للاقتراح ان اي اجراء آخر قد لا يكون مجدياً.
ولكن مع ذلك، لا بد ان نتوقف، ولو قليلاً، للتمعن في تداعيات هذا المسار، وهي ان الذهاب الى الاستجواب قد يستغرق وقتا، فقد يطول لأشهر، وقد تستخدم السلطة اساليب متعددة كتحويله الى المحكمة الدستورية او مناقشته في جلسة سرية، او استخدام الاساليب السابقة نفسها، من اغراءات مادية وخدمات وضغوط، التي ستكون هذه المرة بحجم اكبر لكي لا يتوافر العدد للنصاب المطلوب لسحب الثقة.
وفي حالة استكمال العدد المطلوب لسحب الثقة، قد تلجأ السلطة الى استقالة الحكومة وتطويل مدة تشكيل حكومة جديدة لأشهر، كما حدث في السابق، او ان يتم حل مجلس الأمة وتُجرى انتخابات مبكرة تعيد نفس إنتاج الاعضاء او اعضاء من النوعية نفسها، وفي كل هذه الحالات يجري استخدام عامل الوقت لامتصاص الغضب الشعبي وإطفاء لهيبه، وتشتيت الاستقطاب الشعبي، وتنتهي القضية للحفظ في النيابة العامة، كما جرى في قضايا اكبر من هذه، وابرزها قضية السرقات في شركة الناقلات.
تأجيل الاستجواب
السيناريو الثالث، هو النظر في تأجيل الذهاب الى الاستجواب، والضغط من داخل مجلس الامة ومن خارجه، بحشود الحراك السياسي لمحاصرة الفاسدين والمفسدين وتعريتهم من خلال تشكيل لجان تحقيق في مجلس الامة، او احالتها الى احدى اللجان، كلجنة حماية المال العام او اللجنة الاقتصادية او لجنة الميزانية، ومن خلال إجراءات التحقيق يجري الكشف عن مزيد من المعلومات وانتزاعها من كل الجهات، ومنها البنك المركزي والبنوك التجارية والجهات الحكومية، الى جانب المضي في اقرار قوانين مكافحة الفساد، بما فيها قانون كشف الذمة وقانون الكسب غير المشروع وتعارض المصالح، لمحاصرة الفاسدين والمفسدين وتعريتهم، واذا تحقق ذلك فقد يؤدي الى النتائج المرجوة من الذهاب الى الاستجواب وفق السيناريو الثاني، اذا ما كشف تحقيق مجلس الأمة معلومات عن إيداعات ومصادر تمويلها من قبض ومن دفع.
هذه الخيارات مفتوحة امامنا، ويجب ألا نخشى التمعن والنظر فيها والخوف من ان الخوض في هكذا نقاشات قد يؤدي الى عثرة في الاستقطاب الشعبي وتشتيته وينبغي الا يغيب عن البال اننا في معركة سياسية كبيرة تجبّ الجانب القانوني الذي هو جزء منها، فنحن امام عملية تخريب النظام الدستوري، وتخريب اجتماعي، وتشويه للحياة السياسية، وتشويه سمعة الكويت وقد تؤدي اذا لم تتم محاصرتها وكشف اطرافها ومحاسبتهم الى تعميق الاحباط لدى الناس وصولا الى مخطط أخطر، وهو تعديل الدستور وتقزيم ارادة الشعب.
ومصدر القلق ايضا كثرة الشعارات المطروحة فجائيا، كالمطالبة باستقالة الحكومة او حل المجلس واجراء انتخابات مبكرة او استقالة 20 نائبا كما صرح النائب وليد الطبطبائي، وكذلك القول ان هناك مرتشين وحكومة تعتبر طرفا في هذه القضية ان تصدر قوانين مكافحة الفساد.
والجواب على ذلك هو علينا ان نحاول بمزيد من الضغط الشعبي واي عرقلة لذلك تعري اطراف الفساد.
في النهاية حذار من طرح شعارات او مطالب غير مدروسة.